تداعيات سن التقاعد في بلادنا
تمر بلادنا اليوم بمرحلة دقيقة تتسم بتحديات داخلية و إقليمية تتطلب منا مراجعة كثير من السياسات المعتمدة و على رأسها الموارد البشرية التي تشكل العمود الفقري للإدارة و الدولة و التي تحتاج لحوكمة رشيدة لما تعانيه من صرامة جامدة في تطبيق الإحالة للتقاعد و التي أصبحت في كثير من الأحيان عائقا أمام الاستفادة من الكفاءات الوطنية في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة إليها مما يوحي بضرورة معالجة سن التقاعد خلال المرحلة الخاصة التي تمر بها البلاد خاصة إذا ما نظرنا بتمعن لنقاط أساسية من أهمها
1 - المرحلة
في ظرفية ما قد يبدو تحديدُ سنٍّ موحّدٍ للتقاعد أمرا طبيعيا لكن في الأوقات الاستثنائية تصبح إعادة النظر فيه أكثرَ إلحاحا وجدوى فهناك شخصيات وطنية تمتلك من التجربة و الحكمة و الحنكة ما يجعلها قادرة على تقديم الكثير للبلد حيث ان إقصاء هذه الطاقات لمجرد بلوغها سنا معينا هو تضييع لرصيد بشري استراتيجي لا يمكن تعويضه بسهولة و عليه فإن التمسك بالكفاءات ذات الخبرة يجب أن يكون خيارا استراتيجيا لا سيما في مواقع القرار ومجالات التوجيه
2 - الحالة الإجتماعية
ان ظهور نزعات شرائحية ترفض مبدأ تكافؤ الفرص وتدفع نحو الانقسام المجتمعي عندما يُقصى كبار الخبرة بحجة السن و يُترك المجال لاعتبارات غير موضوعية فإن مناخ الاحتقان سيتعزز ويفتح المجال أمام استقطابات سلبية تضر بالنسيج الإجتماعي للوطن
3 - الحالة الأمنية و ضمان الحريات العامة
ففي ظل وضع أمني داخلي وإقليمي يستدعي الكثير و الكثير من الحذر و الحيطة لا بد من إحداث توازن دقيق بين احترام الحريات العامة و ضمان استقرار البلاد و هذا يتطلب و جود شخصيات قادرة على اتخاذ قرارات موزونة تستند إلى التجربة العميقة وليس فقط إلى الحماس اللحظي المتجاوز فالتحديات الأمنية تتطلب قيادات واعية بالسياقات و هو ما لا يتوفر دائما لدى من يفتقر إلى تراكم التجربة مهما امتلك من كفاءة أكاديمية أو طاقة شبابية
4 - الديمقراطية و المصلحة
إنه لمن الخطأ اعتبار الديمقراطية مجرد غاية شكلية أو أداة في أيادي من يعبثون بمصير الشعوب فالديمقراطية يجب أن تكون نتيجة لمسار طويل من البناء المؤسساتي و التربية على روح المواطنة وليست ذريعة لإزاحة الكفاءات أو تعطيل الاستفادة من ذوي الخبرة بل يجب أن تستخدم لخدمة المصلحة الوطنية لا لتكريس الفوضى أو تصفية حسابات و معالجة سن التقاعد ضمن هذا المنظور تصبح ضرورة لتحقيق ديمقراطية رشيدة تحترم الحق في العمل ما دام الفرد قادرا على العطاء
و عليه فإن معالجة سن التقاعد لا تعني بالضرورة إلغاءه بقدر ما تعني اعتماد رؤية مرنة تسمح بالاستثناءات وفق مقتضيات المرحلة و المصلحة العامة مع الحفاظ على مبدأ التداول والتجديد لا من أجل التجديد فقط فالدولة الرشيدة هي التي تحسن إدارة مواردها البشرية و تعرف كيف تستفيد من كل مرحلة عمرية في سياقها الصحيح دون إقصاء ولا تهوين و يظل الشباب نشاطا و عطاءا ديناميكيا لا مرحلة عمرية متجاوزة
تداعيات سن التقاعد في بلادنا / الشيخ ملعينين الطالب اخيار
