لا يستغني القطاع الزراعي عن دعم الحكومة مطلقا ؛ وإذا لم تحظ الزراعة من الحكومة بالدعم المطلوب في الوقت المرغوب مباشرة؛ فإن دعم الدولة في ذلك الموسم من تلك السنة، يكون قد إتجه لدعم دول الجوار وإغراق السوق المحلية بالمنتجات الزراعية الأجنبية- بصفة غير مباشرة- إضافة إلى تكلفة ، للسوق المحلية بالعملة الأجنبية ؛ تفوق أضعاف الدعم الذي يطلبه قطاع خدمات وطني متخصص في توفير كل تلك المنتجات بالكميات المطلوبة والمواصفات المرغوبة للإستهلاك المحلي و حتى التصنيع والتصدير. يالمقابل يعتبر تخلي الدولة عن دعم القطاع الزراعي في بلد ما ؛ مؤشرا على ضعف الخطط والبرامج والإستراتيجيات المتبعة ودليلا قويا على عجز الموازنة في الميزانية العامة للدولة ؛ واعتماد الحكومات المتعاقبة في البلد على المعونات الأجنبية ، التي من المؤكد أنها باهظة الثمن ؛ فعندما تخلت الدولة الموريتانية عن الإعتماد على العون الأجنبي، استطاعت بسرعة إنشاء قطاع زراعي مستقل ؛ لطالما كان حلما بعيد المنال ، كما استطاعت إنشاء وخوصصة وتطوير،عديد القطاعات الحكومية الأخرى .
يعني القطاع الزراعي بمحاصيل الزراعة المروية أساسا ؛ سواء تعلق الأمر بزراعة الأعلاف حيث الملايين من الأفواه الجائعة ؛ لعشرات الأصناف ؛ أو بمحاصيل الحبوب حيث الإستهلاك الآدمي والحيواني معا . وهكذا يوفرالقطاع الزراعي الوطني تدفقات نقدية هائلة وثروات وطنية كبيرة لا تقدر بثمن ولا مناص من صرفها سنويا ؛ الشيء الذي يوجب على الحكومة توفير كل الدعم للقطاع الزراعي بصفة خاصة وإستثنائية.
تشرف الدولة الموريتانية على تشجيع المزارعين ورؤوس الأموال على التوجه إلى القطاع الزراعي من خلال تدشين انطلاق الحملة الزراعية من موسم لآخر؛من طرف رئيس الجمهورية ؛ ولكن هذا الدعم المعنوي القوي غير كافي إطلاقا؛ على الرغم من كونه يضخ دماء جديدة في القطاع باستمرار؛ فالدعم المطلوب من طرف المزارعين يجعلهم يتغلبون على الظروف السيئة وغير المحسوبة المؤثرة على العملية الإنتاجية كما ونوعا ؛ وهي الظروف التي يكون الكثيرون عرضة لها نتيجة محدودية وشح الوسائل وضعف الإمكانيات من جهة ، وتأخر الموسم وعدم التقيد بالجدولة الزراعية للأنواع المختلفة من جهة أخرى. إلى غيير ذالك من تداعيات غياب المؤسسة البحثية الضرورية للبرمجة والتقييم والمتابعة. ومن هنا تبرز أهمية الإسراع ببناء جامعات وكليات ومعاهد زراعية بالمواصفات العصرية والوسائل الحديثة ؛ ولكن في انتظار تجاوز هذه العقبات والمعضلات والصعاب ، يجب أن تخضع كل خطوة لحساب ؛ كما يجب أن يستمر العمل على أن لا يتوقف الإصلاح في القطاع، حتى تحظ الأنواع المختلفة من المحاصيل بورش متخصصة تستهدف من موسم لآخر الجمعيات ، وتدفع بالإتحادات نحو زراعة وإنتاج الأعلاف محليا ، لتحسين وتطوير ودفع عجلة الإنتاج الزراعي المحلي والوطني.
وفي هذا الصدد يجب إعتماد دراسات جدوى تتحلى بالمصداقية الضرورية لإقناع رؤوس الأموال في القطاع الخاص بأهمية الإستثمار في القطاع الزراعي ؛حيث يعتبر الحصول على الأرباح من المنتجات الزراعية،الأساس المحرك لكل دراسات الجدوى،أما بالنسبة للقطاع العام فالأغراض الوطنية للزراعة ،هي الأساس المحرك للتدفقات النقدية المطلوبة ميدانيا. وفي أحايين كثيرة تكون النتائج المتحصل عليها من دراسة الجدوى التمويلية،مغرية ومشجعة على التعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص.
عندنا في موريتانيا يعتبر محصول الأرز مثلا ومثالا ماثلا، بل وأيقونة الإنتاج الزراعي الوطني ؛غير أن هناك اعتبارات جد مؤثرة في الإنتاج ،لم تؤخذ في الحسبان من طرف الدولة بقدر ما هو ضروري :
1_ يجب أن تحدد المصالح المختصة في القطاع الزراعي آخر أجل لدخول الحملتين الخريفية والصيفية ويشجع المزارعين على الإلتحاق بالموسم من أوله ؛ فمن يقرربسرعة وينطلق أولا ،يحصد أولا ويحدد سعر السوق ويستخدم عمالة أقل لفترة أقصر ويحصل على الإنتاجية المتوخاة –بحسب توفير الخدمات المطلوبة بالطرق المناسبة في الأوقات المرغوبة أثناء الموسم- ومن ثم يفي بإلتزاماته ويجني الأرباح .إضافة إلى إمكانية الإستفادة من بقايا المحصول ؛كما يستطيع توفير وقت لللإستصلاحات وأعمال الصيانة وإعادة التأهيل المطلوبة.وهو ما تشجعه المصالح المختصة في القطاع الزراعي.
بينما الذي يبدأ متأخرا،قد يتعرض محصوله للتلف حيث يجهز في فترة زيادة االطلب على الحاصدات وتعدد الأعطاب بها من جهة ؛ ومن جهة أخرى تفاقم وتعدد وتنوع الآفات مما يعرض المحصول للفقد بكميات متزايدة يوما بعد يوم..مما يستلزم إستخدام عمالة أكثر لفترات أطول ويدخل محصوله السوق في فترة إنخفاض الأسعار وتدني الجودة وتراجع الطلب فيفقد المحصول قيمته في السوق كما فقد قيمته في الميدان،بعدما تلف وضاع مع البقايا كما ضاع الوقت الللازم لإعادة التأهيل والصيانة الضرورية؛وهو ما يشجعه أصحاب المصارف الخاصة عادة،لإمتلاكها التصرف في الضمانات؛ وحتى يبقى المزارع مدينا لهم وتحت رحمتهم ؛ بينما إذا أعطي المزارع التمويل من بداية الموسم دفعة واحدة ؛ يكون قادرا على الوفاء بالتزاماته عادة وتوفير الإمكانات للإعتماد على نفسه مستقبلا.
2– يجب على القطاع الزراعي الوطني النظر إلى الحصاد باعتباره هدفا ، والغاية و الوسيلة لتحقيق جميع الأهداف الأخرى. وهكذا يجب أن تتم جمع عمليات حصاد محصول الأرز في فترة وجيزة جدا لضمان عدم تعريض المنتوج للفقد بعد النضج .وهكذا إذن يجب العمل باستمرار على زيادة أعداد الحاصدات في الزمان والمكان، بحسب الزيادة المسجلة في المساحات المزروعة مذ بداية الموسم ، ويتطلب إبراز الأهمية إيجاد جهاز إداري مسؤول .
3- يجب على صونادير التي تختص في الإستصلاح الزراعي والدرسات والإرشاد؛ ومبوريه التي تم بها دمج أكثر من خمسين مهندسا زراعيا ؛ يجب عليهما توفير المساعدةللحكومةمن خلال الإرشاد والتكوين. كما يجب تأهيل المعهد الزراعي والتكنلوجي برصو ومركز البحوث الزرعيةبكيهيدي وامدادهما بالطواقم البشرية الضرورية للإطلاع بمهمة البحث الزراعي وتوفير البذورخاصة بالنسبة لمحصول الأرز.
4-يجب علىالقطاع الزراعي إخضاع القطاع الماليلقانون الجدولة الزراعية في مختلف بئات وجهات الوطن خصوصا بالنسبة للمحاصيل الإستراتيجيةكالقمح والأرز؛ والعكس غير صحيح ؛ فتبعية القطاع الزراعي لقوانين القطاع المصرفي والصيارفة اليوم؛ يخدم الصيرفيين والمصارف الخاصة ولا يخدم أيا من القطاعين العموميين ؛ فيجب إذا عدم تشجيع النشاط الزراعي الخاص على حساب القطاع الزراعي الوطني الوليد.
ذلك أن عدم قدرة القطاع الزراعي الوطني الوليد على خلق الآليات الكفيلة بالحفاظ على استقلاله و صيانته اليوم، يعكس مدى وقوة الإعاقة التي يعاني منها باستمرار.حيث تجاوزه قطاع البيطررة التوأم من حيث المساهمة في الدخل الوطني .
كذلك فإن عدم التغلب على مشاكل القطاع الزراعي يعكس فشل القطاع المصرفي في إنعاش هذا القطاع أولا ،وتنشيطه ثانيا، لإيجاد أو إستعادة القدرة على مزاولة جميع النشاطات المطلوبة لتحقيق الأهدااف المرسومة، ليكون القطاع الزراعي الممول الرئيسي للقطاعات العمومية في حالة النهوض بأداء القطاعاين معا،وتكامل عملهما الوطني المشترك .
يجب أن لاتدخر الحكومة جهدا في سبيل تطوير القطاع الزراعي الوطني من خلال إيجاد مؤسسات بحثية وإنتاجية متكاملة تطلع بالعملية الإنتاجية الوطنية بالكامل: برمجة وتخطيطا وتنفيذا ؛عبر مراحلها المختلفة وأنشطتها المتعددة للوصول إلى الحصيلة النهائية للكميات المسجلة للأنواع المختلفة من المحاصيل والمنتجات الزراعيية على الصعيد المحلي والوطني ؛ ومن ثمة تحسينها وتطويرها من موسم لآخرللحصول على الإكتفاء الذاتي ،والتصنيع ،والتصدير.إن الزراعة علم تطبيقي متعدد التخصصات ،وعمل ميداني متعدد الأهداف ،والدول الزراعية هي الدول التي يكون لها قطاع زراعي باني، ومؤسس، وداعم ،وممول، لعديد القطاعات الأخرى في الدولة بقدرما حظى به من دعم الحكومة اللامحدود. كما وأن الحاجة لإحداث قفزة نوعية حقيقية في المجال الزراعي تتطلب الإسراع بخلق مؤسسات وطنية مسئولة قادرة على الإطلاع بجميع متطلبات العملية الإنتاجية وما لم تسند المسئوليات إلى الجهات المتخصصة فإنها تبقى مصدرا للمعاناة ؛ والنتائج المتوخاة منها، بعيدة كل البعد عن المصداقية ؛ وستستمر معناة مئات الشباب الذين كونتهم الدولة الوريتانية في المجال الزراعي حيث هاجر بعضهم بدافع البطالة المستشرية ؛ والبعض هجر نحو قطاع التعليم وغيره ؛ والقلة العاملة في القطاع الزراعي لاتسند إليها مسئوليات مرتبطة بتخصصاتها حتى يكون أفرادها من
( الذين هم بشهادتهم قائمون )
هكذا إذا تبقى الحاجة لبناء الإنسان أكثر إلحاحا من الحاجة لبناء المكان المكونة الثانية ضمن مكونات الوطن.
مهندس | محمذن ولد عبد الله المنسق الجهوي للعمل النقابي الهاتف 44659055