ما إن أعلنت نتائج الانتخابات التي أفرزت فوز رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني حتى ظهر أن العلاقة بينه وبين الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز مزعجة لجزء من أنصار غزواني من الذين لا يحبون الآفلين ، فتفتقت عبقريتهم عن (استمرار النهج) من أجل الحيلولة دون أي تقارب بين النظام الجديد والمعارضة التقليدية لحكم عزيز ، وتحريضا لرئيس الجمهورية على سلفه ودفعهما للصدام .
بعد ذلك طرحت قضية (المرجعية ) من بعض الأنصار السابقين لعزيز يتقدمهم النائب الخليل ولد الطيب لإحراج ذوي الحظوة السابقين في نظام عزيز ، والقياديين في الأغلبية من أنصاره .
وكنتيجة حتمية لهذه الاستيراتيجية وضمن استيراتيجية الادعاء والهجوم والدفاع حاول ولد عبد العزيز الإبقاء على مركزيته في الحزب للمشاركة في الفعل السياسي والدفاع عن النفس ، لكن نتائج تلك الاستيراتيجية عجلت بالقطيعة بين رئيس الجمهورية وحليفه السابق لتصل علاقتهما إلى شبه قطيعة بعد أقل من شهرين على تنصيب الرئيس محمد ولد الغزواني ، فلم تأت ذكرى الاستقلال 2019 حتى أصبح ولد عبد العزيز يعامل وكأنه زعيم محاولة انقلابية ، استهدفت استعادة السلطة .
استقرت إرادة الرئيس وفريقه على اختيار أرضية القضاء لترويض الرئيس السابق وفي ذلك الإطار كانت لجنة التحقيق البرلمانية وما استتبع نتائج تقريرها من تعهد للقضاء في الملف ، واستمرارا لتلك الاستيراتيجية وإضافة إلى عمل الضبطية القضائية كلفت الدولة ستين محاميا لتولي الدفاع عن المصالح والهيئات التي أضيرت من عملية الفساد المزعومة ، وكان القصد من وراء تشكل ذلك الفريق وجود صوت مقابل لأصوات فريق الدفاع الذي شكله الرئيس السابق ولد عبد العزيز للدفاع عن نفسه .
ضمن تلك الخطة كان الحرص الدائم على الحيلولة دون السماح بتشكل مصلحة مشتركة بين المشمولين في الملف محل التحقيق بعد أن كان الرئيس قد استبقى في حكومته الأولى مجموعة من الوزراء المشمولين في الملف ، تم تعيين آخرين في وظائف مهمة في إدارات الدولة ، وحتى حين الإقدام على إقالة من أقيل من هؤلاء وأولئك كان تطمينهم على أن الأمر مجرد استراحة عابرة تنتهي مع انتهاء القضية المعروضة على القضاء ، كل ذلك حتى لا يكون هنالك تكتل لهؤلاء المشمولين يجمعهم ومناصريهم في مواجهة صريحة مع النظام قيد التشكل ، ليقتصر حظ الرئيس عزيز من وزرائه وأنصاره السابقين على إسلكو ولد إزيد بيه وسيدنا علي ولد محمد خونه اللذين من المؤكد أن محاولات لدفعهما للانسحاب من ذلك التحالف قد تمت وعلى أكثر من صعيد .
ساعد على نجاح الاستيراتيجية الرسمية لولد غزواني وأنصاره تشبث عزيز في دفاعه بعدم اختصاص القضاء العدلي بمساءلته ، وبالتالي ابتعاده عن محاولة التنسيق مع المشمولين من وزرائه وأركان حكمه ، لكن وصول الملف إلى مرحلة الاتهام قد يغير المعادلة ، فمع الاتهام لا يبقى أمام المشمولين في الملف إلا أن يُحَمّل بعضهم بعضا مسؤولية ما ينسب إليهم ، أو أن يبرئ بعضهم بعضا ، فالمسؤولية لا يمكن أن تتجزأ ، ولا يمكن الوصول إلي الرئيس عزيز دون كبار معاونيه ، فالمتصور أنه في النهاية قد يزول التنافر والتناقض بين هؤلاء باستثناء من بُشّر منهم وقلبه مطمئن بالبراءة .
الحاجة إلى التنسيق بين المشمولين في الملف ستظهر أكثر بعد تحديد القرارات القضائية التي ستصدر عن وكيل الجمهورية وقضاة التحقيق فيما يتعلق بتقسيم المشمولين إلى موقوفين احتياطيا ، ومتهمين مراقبين قضائيا ، ومعتوقين على أساس أن لا وجه للمتابعة ، فتمترس الرئيس عزيز وراء الحصانة لن يكون له من معنى بعد تعهد القضاء العدلي ، كما أن تعاون مشمولين مع التحقيق لن يغير بشيء مؤثر فيما قد يقرر في حقهم حال ثبوت إدانتهم ، ما قد يدفع فعلا إلى احتمال قيام تنسيق بين كل المشمولين في الملف على ما قد يترتب على ذلك من ردود فعل من الحاضنات ومراكز التأثير التي تتبع لهؤلاء وتأتمر بإمرتهم .
نقلا عن نوافذ