رحم الله الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة.
في سنة ١٩٩٨ كنت متجها إلى البحرين ثم أبوظبي من باريس للمشاركة في مؤتمر فكري ،وكنت أرافق لهذا الغرض الفقيهين الجليلين المرحوم محمد سالم ولد عدود ومحمد المختار ولد امبالة أطال الله بقاءه .
جلس إلى جنبي في رحلة الخطوط الجوية الفرنسية المتجهة الى البحرين رجل ألفت وجهه في صور الصحف والمجلات وغاب عني اسمه ،فقدمت له نفسي فرد علي " أنا اسمي عبد العزيز بوتفليقة " ،وكان متجها إلى نفس المؤتمر الذي كنت مدعوا له .
تذكرت صورة الديبلوماسي الشهير التي كانت على أغلفة كل الصحف في السبعينيات ،وتذكرت الأحاديث الطويلة التي سمعت من المرحومين حمدي ولد مكناس ومولاي الحسن عن الرجل وقد كان صديقا لهما كما أخبرني هو نفسه ،ولم تتأثر علاقته بهما بالقطيعة التي تمت بين موريتانيا و الجزائر عام ١٩٧٥.حدثني بوتفليقة أنه اتفق مع المرحوم حمدي على الاحتفاظ بعلاقاتهما الشخصية رغم الحرب المعلنة بين البلدين وكانا يلتقيان كل مساء على هامش جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة في بيت السفير مولاي الحسن لتناول الكسكس الموريتاني ( أين صديقي الوزير عبد القادر ؟ )
في رحلة الطائرة وخلال أيام المؤتمر التي دامت قرابة اسبوع كامل ،كنت اطيل الجلسة مع بوتفليقة الذي لم يتحدث بكلمة في أعمال المؤتمر المخصص لاستشراف مستقبل العالم العربي. حدثني الرجل عن محطات هامة من تاريخ الجزائر وموضوع الصحراء وبعض خلفيات انقلاب ١٠ يوليو ١٩٧٨ ومن قبله لقاء بشار الشهير بين الرئيسين المختار ولد داداه وهواري بومدين رحمهما الله. بيد أن الأزمة السياسية والأمنية الحادة التي كانت تمر بها الجزائر أوانها استأثرت بجانب كبير من أحاديثنا ،وقد أفضى لي ببعض أسرار مفاوضاته مع المؤسسة العسكرية من أجل ترشيحه للرئاسة وكان وقتها رافضا لعروضها.
من وحي لقائي ببوتفليقة كتبت سلسلة مقالات في الشرق الأوسط عن الأوضاع الجزائرية خلصت في نهايتها إلى أن بوتفليقة هو رجل المرحلة الذي بإمكانه حل الأزمة السياسية الجزائرية، وقد كان لهذه المقالات أصداء واسعة .
فوجئت عام ١٩٩٩ أن بوتفليقة ترشح للرئاسيات، فكتبت له رسالة متمنيا له فيها النجاح فرد بكلمات رقيقة ،وعندما فاز في الاقتراع كتبت له مهنئا فرد بالشكر .
في بداية سنة ٢٠٠٠ كنت في الجزائر احضر أحد مؤتمرات مركز دراسات الوحدة العربية وكان يحضر المناسبة ذاتها الرئيس احمد ولد داداه حفظه الله والصديق العزيز الخليل ولد الطيب حفظه الله، فاستقبل الرئيس بوتفليقة المشاركين في المؤتمر، وعندما صافحته قال لي بصوت خافت " مالك غبت عنا ؟ لا بد أن ترجع الجزائر ".
بيد اني لم ارجع إلى الجزائر ، لكنني التقيت ببوتفليقة المرة الثالثة في ديسمبر ٢٠٠٣ خلال مؤتمر مؤسسة الفكر العربي في بيروت وكان ضيف الشرف في اللقاء .خلال حفل العشاء الذي أقامه بالمناسبة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري رحمه الله صافحت بوتفليقة الذي سلم علي بحرارة أثارت استغراب مرافقي الكويتي .
انتهت قصتي مع بوتفليقة أو كادت ...فلقد كنت سنة ٢٠٠٨ في فندق قصر الإمارات في أبوظبي برفقة وزيري الخارجية السابقين محمد بن عيسى حفظه الله واحمد ماهر رحمه الله عندما قابلنا بالصدفة عبد العزيز بلخادم وزير الخارجية الجزائري الأسبق الذي أخبرنا أنه يقيم مع بوتفليقة في نفس الفندق ،وكان من المقرر أن أزوره مع الصديقين العزيزين لكن ظروفه الصحية لم تكن تسمح بالزيارة .
حزنت كثيرا لنهاية مساره الحزين ..فالرجل اللامع الذكي والأنيق والخطيب المفوه أصبح في نهاية مساره العوبة بيد محيطه الأسري والسياسي ..غير الدستور واستطاب لعبة السلطة وقرب المفسدين، فثارت عليه الجموع الغاضبة المحبطة ،واختفى عن الأنظار ليرحل في الصمت بعيدا عن الاضواء التي عشقها بقوة وعاش فيها جل سنوات عمره .
رحم الله بوتفليقة وانا لله وانا اليه راجعون