ظل للمرأة تاثير سياسي معتبر لا سيما إذا كانت زوجة حاكم أو ملك أو قائد جيش منذ فجر التاريخ، ولكن المتتبع لأدوار ساكنات القصر في موريتانيا سيجد أن لهن تأثيرا كبيرا لا يمكن تجاوزه أوالتغاضي عنه.
عندما وصل إلى الحكم في موريتانيا ذلك الحقوقي الشاب حينها المختار ولد داداه كانت برفقته سيدة من أصول فرنسية تدعى مريم داده وهي زوجته، ولم تكن هذه السيدة مجرد رقم؛ وإنما كان لها حضورها السياسي والإعلامي البارز؛ لدرجة أنها كانت تظهر مع الرئيس في المقابلات التلفزيونية، وتجيب على بعض الأسئلة المتلعقة بالطموح لإنشاء كيان سياسي في أرض صحراوية قاحلة؛ تقطنها مجموعات من البدو الرحل والقبائل. أرض ذات موارد اقتصادية شحيحة.
و يرى بعض الموريتانيين أن كل رئيس حكم موريتانيا يتأثر بالسيدة حرمه، بل إنها من تلعب الدور الأبرز في توجيه سياساته ورسم أولوياته، ويضربون مثلا على ذلك بأن فترة حكم ولد داده كان هناك مشروع لبناء الدولة المدنية، وتم إعطاء أولوية معينة للتعليم وبناء المؤسسات، ورافق ذلك كله ضمور للإحساس بالانتماء إلى فضاءات ضيقة تنافس كيان الدولة، كما شهدت هذه الفترة تراجعا للجهوية والقبلية إلى حدما، وذلك لأن السيدة الأولى حينها امرأة باريسية ذات ثقافة فرنسية ونظرة مختلفة للدولة المدنية؛ كما يجب أن تكون إطارا جامعا ومذوبا لكل الفوارق الاجتماعية والعرقية والثقافية.
هذا وإن كانت هناك سيدة أولى أقل تدخلا وحضورا في إدارة الشأن العام فإنها زوجة الرئيس الأسبق محمد خون ولد هيداله والتي قل من يعرف اسمها حتى.
إذا سحبنا نفس الشيء فيما يتعلق بتأثير زوجات الرؤساء عليهم على أطول فترة حكم في موريتانيا؛ وهو حكم معاوية ولد الطايع، فإنه يمكن تقسيمه انطلاقا من هذا الرأي إلى فترتين، الأولى فترة حياة زوجته اللبنانية سادية كامل، والتي اتسمت بمحاولة لمحاربة “لقويبيلات” على حد تعبير ولد الطايع حينها، وفتح معهد للغات الوطنية ومحاولة ترسيخ مفهوم وفكرة الوطن، وفترة ثانية وهي فترة الموريتانية عائشة منت الطلبة، وهي مرحلة شهدت صعود اليمين الاجتماعي والأفكار العنصرية والشوفينية، والتي كان من نتائجها التصفية العرقية ضد الزنوج، وتصريحات “يفتي يفتي” ضد لحراطين كردة فعل على صعود التيارات السياسية الإسلامية التقليدية، والتي جعلت من هامش المجتمع وقودا لها.
ويرى بعض المهتمين بهذا الموضوع أن موت سادية كامل إثر صعقة كهربائية ليس موتا اعتباطيا، ويطرحون عدة فرضيات من بينها أن هناك قوى كانت تحس أن الرئيس تم اختطافه منها، وحاولت تصفيته فكانت المرأة هي الضحية، أو أن المستهدفة كانت سعيدة نفسها لأن القوى اليمينة في السلطة كانت ترى أنها حاجز أمام تنفيذ أجنداتها، ومهما يكن من أمر فإن الرئيس ولد الطايع في النهاية استسلم لإغراءات القوى اليمينية الشوفنينة بعد رحيل سادية كمال. إلا أن دور منت الطلبة ودخولها في فضاء الشأن العام كان واضحا، ويتحدث كثيرون عن دورها في تعيين بعض الشخصيات ومنح فرص وامتيازات لهم، ولا سيما أن أفراد المحيط العائلي للزوجة في المجتمع الموريتاني يتحلقون حولها زوجها إذا كان شخصية مهمة، ويستفيدون من نفوذها ونفوذه بوصفهم أصهارا.
أما زوجة الرئيس الانتقالي اعل ولد محمد فال أم كلثوم منت الناه فإنها بالكاد يعرفها عامة الشعب، وربما لطبيعة حكمه الانتقالي، ومحاولته لترك صورة إيجابية عن تسييره لتلك المرحلة تمهيدا للعودة إلى السلطة؛ من خلال استثماره لسمعته السياسية الطيبة وللإدارة التي وصفت بأنها ناجحة لتلك المرحلة الانتقالية، غير أن هذا الأمر لا ينطبق على إحدى السيدات الأوائل من الأكثر إثارة للجدل في موريتانيا وهي ختو منت البخاري زوجة سيدي ولد الشيخ عبد الله، حيث شهدت علاقاتها توترا مع الصحافة ومشادات مع بعض الناشطين في مجال السياسة والمجتمع المدني، كما عرفت بمرافقاتها الكثيرة للرئيس أثناء رحلاته، و بتدخلها الشهير خلال مؤتمره الصحفي في إسبانيا، و الذي هاجمت فيه الموريتانيين و وصفتهم بالتملق و النفاق، وقد أنشأت هيئة خاصة بها كانت محل مساءلة بخصوص مصادر تمويلها بعد اتهامها بالفساد في الأيام الأخيرة من حكم زوجها وبعد سقوطه أيضا. كما راج عن ختو كونها تبيع المناصب لبعض ذوي الكفاءات الدنيا، والذين كانوا يبحثون عن النفوذ ومستعدون لدفع المال، ويروّج البعض أنها من أشارت إلى زوجها بضرورة إقالة بعض الضباط، ومن بينهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز، والذي انقلب على زوجها بعد إقالته له.
أما خلال العشرية التي حكم فيها محمد ولد عبد العزيز البلد، ورغم أنه حين وصوله للسلطة كان من بين المآخذ التي قال إنه يأخذها على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله؛ هي كثرة سفره وتدخل السيدة الأولى في شؤون الحكم دون صفة رسمية، إلا أن زوجته تكبر منت ماء العينين ظلت ترافقه في الرحلات الخارجية، كما أسست هيئة الرحمة المثيرة للجدل، ويتحدث كثيرون عن تدخلها في التعيينات والتحكم في مسافة القرب أو البعد من الرئيس، كما أن فترة حكم زوجها شهدت مستوى أعلى من التدخل في شؤون إدارة البلد من طرف سيدة أولى وأبنائها وحتى أقربائها وأقرباء الرئيس، بل هناك أسواق وعقارات ملكيتها تعود إلى السيدة الأولى الحالية.
خلاصة الأمر أنه رغم أن زجات الرؤساء في موريتانيا غالبا لا يحملن صفة رسمية إلا أن بصمتهن تبدو واضحة في أساليب الحكم والإدارة، وفي صياغة المشاريع والأولويات لأن الرجل الموريتاني غالبا قوي في اتخاذ القرارات العلنية ولكنه هش وضعيف إزاء الفيتوهات التي تتخذ ليلا في الأسرة من طرف تلكم الكائنات الناعمة.
الشيخ نوح لتقدمي