هز خطاب الرابع والعشرين من مارس المشهد السياسي والوطني بشكل عام، حيث تحدث فخامة رئيس الجمهورية بلغة وأسلوب ومعطيات وتوجيهات لم يألفها كثير من الناس، سواء في الإدارة التي وجه إليها فخامته الخطاب، أو الشعب الذي كان الخطاب من أجله وانحيازا إليه، وصدى لتطلعاته وتعبيرا عن آماله، كما أنه رسالة واضحة بأن رئيس الجمهورية لن يقبل استمرار معاناة المواطن، ولن يتسامح مع من لا يسعون في خدمته ويحفظون كرامته.
إن هذا الخطاب يؤكد مضامين الخطابات والتصريحات التي ألقاها رئيس الجمهورية، والأفكار والقيم السياسية والإدارية التي سطرها في برنامجه "تعهداتي"، وشرع فور انتخابه في تنفيذها عبر سلسلة من البرامج والمؤسسات، وظهرت كقيم سياسية للحكم في خطاباته المتعددة، (الاستقلال، وادان، وزياراته الرسمية لمناطق من الداخل).
كانت هذه الخطابات صريحة وتحدث فيها فخامة الرئيس عن الوضع الذي عانته البلاد جراء عقود من اختلال السياسات التنموية، وكان واثقا ومطمئنا عندما تحدث إليهم بأمل وواقعية عن الآفاق الاقتصادية التي ستنفتح للبلاد.
ظهر رئيس الجمهورية منحازا بوضوح إلى القيم الإسلامية والجمهورية، وإلى الفئات التي عانت من التهميش، عندما انتقد بوضوح وصراحة خطاب التمييز الطبقي، وأمر بوضع حد نهائي لذلك الخطاب وممارساته، وكان صريحا جدا في خطاباته التي ألقى إثر تفشي فيروس كورونا، والتي أكد فيها ضرورة التغيير وإلزامية الاعتماد على الموارد والإرادة الذاتية.
وكان رئيس الجمهورية صريحا، عندما شخص أمراض الإدارة المركزية والإقليمية، وعند وضع المسار الذي ينبغي أن يلتزم به الجميع، وأن يواجه المنحرف عنه تبعة الإضرار بمصالح الشعب.
كان هذا الخطاب في عمقه هزة إدارية، حركت المياه الراكدة في صفوف الإدارة، وهزت الرتابة التي طبعت أداء بعض المسؤولين، وحركت الصلافة واللامبالاة التي يتعاطى بها بعض الإداريين مع مطالب الشعب وقضاياه.
ثم كانت الرسالة واضحة جدا إلى الجيل الجديد من أبناء الإدارة الذين سيضخون دماء الحيوية في شرايين العمل العمومي بشكل عام، ليؤكد لهم أن كثيرا مما كان سائدا من الممارسات ليس قدوة لكي يحتذى، وليس مقبولا أن يستمر، وأن عليهم أن يكونوا إضافة إصلاح ..وإصلاح فقط.
الأكيد أن هذا الخطاب ، مهم جدا في مضامينه، وواضح جدا في لغته وأسلوبه، وقريب من وجدان الشعب وفئاته الضعيفة، والأكيد أيضا أنه ينسجم مع البرامج التنموية المتعددة التي أطلقها فخامة رئيس الجمهورية لخدمة المواطن والرفع من شأنه، ومساعدته على متغيرات الظرف الاقتصادي.
هي إذا رسالة ينبغي أن يعيها الجميع بأذن واعية، وأن يتفاعل معها الذين يريدون خدمة البلاد، أو لنقل إنها إنذار لمن دأب على الفساد، وبشارة للشعب بأن المستقبل أفضل وأن الاختلالات الإدارية لن تستمر، وأن لغة جديدة ستسود يكون فيها المواطن السيد المخدوم، وليس المرتجف المدفوع بالأبواب، فتلك مسلكيات وأساليب ما كان لها أن تكون، ولم يعد لها بعد خطاب الرابع والعشرين موقع من الإعراب ولا محل من العمل.
د. أحمدسالم محمد فاضل