مياه كثيرة جرت تحت جسر الخلاف المفاجئ الذي نشب بين رفيقي الأمس غريمي اليوم، الرئيسان السابق محمد ولد عبد العزيز والحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
فبعد تسليمه السلطة في حفل تنصيب أعقب انتخابات رئاسية مفصلية في تاريخ البلد، سارع ولد عبد العزيز إلى السفر رفقة عائلته الخاصة ءلى تركيا، ومنها إلى اسبانيا ثم بريطانيا، التي قيل إنه قصدها لتلقي دورات مكثفة في اللغة الانجليزية سعيا منه لتبؤ منصب أممي رفيع.
كان الطريق الجديد أمام ولد عبد العزيز مفروشا بالورود، فصديقه ورفيق دربه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لن يدخر جهدا دبلوماسيا ولا دعما شخصيا في سبيل حصول الرئيس السابق على منصب أممي يحسب لموريتانيا دبلوماسيا، ويعمل ولد عبد العزيز من خلاله على مساعدة بلده وتلميع صورته أمام الرأي العام الدولي.
لكن المفاجأة الكبرى، التي حيرت المراقبين ومتابعي الشأن العام، تمثلت في العودة المفاجئة لولد عبد العزيز قبل استكمال دوراته المقررة في لندن، بل واستعجاله لترؤس لجنة تسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بغرض التحضير لمؤتمر الحزب، وضمان ترؤسه له واعتماده كمرحعية وحيدة، وهو ما يخوله التحكم في تسيير الحكومة من خلال الأغلبية البرلمانية.
بدا الأمر لساكني القصر محاولة لتنفبذ انقلاب دستوري شرعي من شأنه أن يحشر الرئيس وحكومته في الزاوية، والأخطر من ذلك ما رشح من معلومات، أنكرتها السلطات العمومية قولا وأثبتتها فعلا، تفيد بنية ولد عبد العزيز ذراع عسكرية تركها في محيط القصر وفي بعض الثكنات عند الضرورة.
ورغم ما عرف عن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من تأن وعدم تسرع في التعاطي مع المستجدات، إلا تصرفاته لاحتواء الموقف الطارئ كانت أسرع مما تصوره المراقبون.
أقيل قائد الحرس الرئاسي، وأخرجت كتيبته من مدينة أگجوجت، حيث كانت تتأهل لتوفير الحماية للفعاليات المخلدة لذكرى الاستقلال، وأجريت تحويلات طفيفة في المؤسسة العسكرية، لكنها كانت ملفتتة ومؤكدة لفرضية محاولة الانقلاب التي نفاها وزير الدفاع لنواب البرلمان.
ومع تسارع وتيرة ردود الفعل الواقعية على الفعل المفترض، تنادى نواب الحزب الحاكم وغالبية أعضاء لجنة تسييره وعمده ورؤساء مجالسه الجهوية إلى الخروج عن الصمت والتعبير بوضوح وبصوت عال عن اعتماد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني كمرجعية وحيدة للحزب، ليبقى مقعد الرئيس السابق في حفل الاستقلال شاغرا، ومكانا لتجاذب أطراف الحديث بين الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله والزعيم المعارض أحمد ولد داداه.
مارس رئيس لجنة تسيير الحزب سيدنا عالي ولد محمد خونه، ونائبه بيجل ولد هميد المزيد من العناد، وغردا خارج سرب إجماع اللجنة والنواب والحزب، ليقودا أخيرا وساطة بين الرئيسين السابق والحالي، قيل إنها لم تتكلل بالنجاح، كما هو حال وساطات سابقة قادها الرئيس الأسبق محمد خونه ولد هيداله، والجنرال المتقاعد مولاي ولد بوخريص.
لم يبق لولد عبد العزيز غير الإصرار على موقفه في انتظار مؤتمر الحزب، وفي الأثناء يواصل رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني مسار قطع الطريق أمام أطماع رفيقه الخصم على كل المستويات داخل الحزب الحاكم، وفي تعزيز التقارب مع قادة المعارضة، بل والسماح للممنوعين قسرا من العودة الى وطنهم بالعودة فورا ودون قيد أو شرط، وعلى رأسهم رجلي الأعمال الشهيرين محمد ولد بوعماتو ومصطفى ولد الإمام الشافعي.
فهل ستكفي كل تلك الإجراءات في ثني ولد عبد العزيز عن محاولات الاستئثار بقيادة الحزب الحاكم؟.. أم أنه سيبقى في انتظار أمل يرجو أن يحمله له مؤتمر الحزب؟
وفي حال قرر المؤتمر وضع الرئيس السابق في عزلة سياسية مفتوحة، فماذا بعد؟.