يمكن القول بأن الخلاف حول مرجعية حزب الاتحاد من أجل الجمهورية كان هو الموضوع الأبرز للمؤتمر الصحفي الذي نظمه الرئيس السابق في منزله، ولذلك فإن هذا التعليق الأولي سيركز بالأساس على موضوع المرجعية وعلى ما أثير حولها من نقاش.
(1)
لنبدأ بطرح السؤال:
متى ظهر الخلاف حول المرجعية؟
لنعد قليلا إلى الوراء، وإلى بداية الخلاف حول المرجعية، وذلك لنسجل الملاحظات السريعة التالية:
الملاحظة الأولى : إن أول من تحدث عن المرجعية منذ تنصيب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني هو النائب السابق الخليل ولد الطيب..لقد كان الخليل يقول بأن ولد عبد العزيز هو مرجعية حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في فترة حكمه ولم يُغضب ذلك ولد عبد العزيز، وهو اليوم ـ أي الخليل ولد الطيب ـ يقول بأن غزواني هو مرجعية الحزب بعد أن تم تنصيبه رئيسا للجمهورية.
الملاحظة الثانية : لم يتدخل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ـ على الأقل ظاهريا ـ في النقاش الدائر حول المرجعية من قبل عودة الرئيس السابق، ومن قبل محاولته السيطرة ـ وبشكل غير قانوني ـ على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
الملاحظة الثالثة : لقد اجتمع الرئيس السابق بعد عودته بلجنة تسيير الحزب ، وحدد تاريخا للمؤتمر المنتظر، وأصدر بيانا بعد منتصف الليل تحدث فيه عن نفسه كثيرا بوصفه رئيسا مؤسسا، ولم يذكر الرئيس الحالي إلا في فقرة واحدة من البيان وهي الفقرة السادسة!
نلاحظ من خلال ترتيب مراحل النقاش حول قصة المرجعية، بأن الرئيس السابق هو من حاول أن يسطو على هيئات الحزب وأن يفرض نفسه مرجعية لتلك الهيئات. وبعد محاولة السطو تلك تدخل رئيس الجمهورية، وعندها بدأ نواب الحزب وعمده ومندوبوه وقياداته يصدرون البيانات تلو البيانات ليؤكدوا من خلالها بأن مرجعية حزب الاتحاد من أجل الجمهورية هي رئيس الجمهورية الحالي.
وكخلاصة لهذه الفقرة الخاصة بالمرجعية فيمكن القول بأن الرئيس السابق هو أول من حاول عمليا أن يستولي على الحزب وأن ينصب نفسه مرجعية له، ولما تم إفشال تلك المحاولة قرر الرئيس السابق أن يرفع شعار الدفاع عن الحزب، وأن يقف ضد إضافة مرجعية الحزب لرئيس الجمهورية الحالي. يبقى أن أقول في ختام هذه الفقرة بأنه كان من الأفضل والأسلم لأعضاء وقادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية خلال تصديهم للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها الرئيس السابق للسيطرة على الحزب، كان من الأفضل والأسلم لهم أن يكتفوا بالقول بأن مرجعية الحزب هو برنامج "تعهداتي"، وليس شخص رئيس الجمهورية.
(2)
بأي حق أصبح الرئيس السابق وصيا على الديمقراطية؟
يحاول الرئيس السابق أن يقدم نفسه بأنه هو الوصي على موريتانيا وعلى شعبها وعلى ديمقراطيتها، وقد حاول من خلال مؤتمره الصحفي أن يقول بأن كل ما يقوم به الآن يدخل في إطار "حمايته" للديمقراطية وللقيم وللأخلاق السياسية، ويا للعجب. إنها لمفارقة عجيبة أن ينصب الرئيس السابق نفسه مدافعا عن الديمقراطية، وأن يكون أعوانه في الدفاع عنها هما الوزير ولد محمد خونا الذي يقول بأنه يشم رائحة المعارضين عن بعد، والنائب بيجل الذي افتخر ذات جلسة برلمانية بأن أول مرة دخل فيها الجمعية الوطنية وتحدث فيها منذ انتخابه نائبا في العام 2013، كانت خلال الجلسة المخصصة للتعديلات الدستورية، والتي تم فيها خرق الدستور!
إنها لمفارقة عجيبة أن يكون الرئيس السابق هو قلب الجيش المدافع عن الديمقراطية وعن القيم والأخلاق السياسية، وأن يكون في الميمنة الوزير السابق ولد محمد خونا وفي الميسرة النائب بيجل!
أليس الرئيس السابق هو من انقلب على رئيس منتخب ؟ أوَ ليس هو من انتهك الدستور وفرض تعديلات دستورية كان قد أسقطها الشيوخ؟ أَوَ ليس هو من حاصر المعارضة لعقد كامل من الزمن وظل يرفض أن يلتقي مع زعيم مؤسستها الدستورية؟ أوَ ليس هو من قاد حملة انتخابية باسم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وهو رئيس جمهورية (انتخابات 2018 التشريعية والبلدية والجهوية)؟ أوَ ليس هو من سجن وفرض الرقابة القضائية على بعض الشيوخ لأنهم صوتوا ب"لا" على التعديلات الدستورية؟ أوَ ليس هو من ألغى كل لجان وهيئات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وعين له لجنة مؤقتة مخالفا بذلك كل نصوص الحزب التي يدعي اليوم بأنه يدافع عنها؟!
خلاصة القول في هذه الفقرة هي أنه من المضحكيات المبكيات أن يكون لواء الدفاع عن الديمقراطية يحمله الرئيس السابق، وأن يكون على ميمنته الوزير السابق ولد محمد خونا وعلى ميسرته النائب بيجل!
(3)
أي مستقبل سياسي للرئيس السابق؟
لم يتحدث الرئيس السابق عن مستقبله السياسي، ولا عن مشاريعه السياسية المستقبلية بعد أن انفض الناس من حوله، ولم يبق معه إلا الوزير السابق ولد محمد خونا والنائب بيجل، وهذا يكفي كدليل على أن الرئيس السابق قد فشل فشلا كاملا في تأسيس حزب سياسي يمكن أن يعيش بعيدا عن الحاكم ..الراجح أن المستقبل السياسي للرئيس السابق لن يكون مشرقا ولا مضيئا، بل إنه يمكن القول بأن الرئيس السابق قد انتهى سياسيا، وأن اجتماعه بلجنة تسيير الحزب وتنظيمه لمؤتمر صحفي سيشكلان البداية الفعلية لتلك النهاية السياسية.
(4)
هل من نقاط إيجابية؟
من قبل أن أختم هذا التعليق الأولي فلابد من الإشارة إلى بعض النقاط الإيجابية التي تحسب للرئيس السابق، ومن أهم تلك النقاط هي أنه حافظ على تماسكه وظل مسيطرا على أعصابه خلال مؤتمره الصحفي الذي تأخر لأربع ساعات، فلم يرتكب خلال هذا المؤتمر هفوة، وقد تحدث عن الجميع بلغة مهذبة جدا وغير معهودة، وصلت في بعض الأحيان إلى وصف المرشحيْن للرئاسيات بيرام وولد بوبكر بالأخوة. كما يحسب للرئيس السابق رفضه للحديث بالفرنسية خلال مؤتمره الصحفي.
وتبقى النقطة الأكثر إضاءة في المؤتمر الصحفي هي تحدي الرئيس السابق للنواب الذين يفكرون في تشكيل لجنة للتحقيق في فترة حكمه، فهل سيرفع النواب ذلك التحدي؟ وهل سيتم تشكيل تلك اللجنة حتى تثبت أو تنفي التهم الموجهة للرئيس السابق؟
حفظ الله موريتانيا..