عندما دخلت إلى القصر الرئاسي للمرة الأولى بعد اختياري من طرف فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني ضمن فريقه الاستشاري، كانت المشاعر خليطا من الانبهار والتوجس، للمسؤولية والموقع الجديد.
وإذا كان هذا الموقع جزءا مهما في مسيرتي المهنية، فلم يكن إلا صدى للموقف السياسي الذي خضنا غماره دعما لرئيس الجمهورية، يوم أنهى بترشحه للرئاسات، حالة اليأس والاشتباك والصراع التي طبعت المشهد السياسي طيلة سنوات. بل كان ذلك الترشح إعلانا لعهد جديد ، وإعادة لمياه التهدئة إلى مجاريها، وفوق ذلك، كانت بعثا لآمال كبيرة غمرها الانسداد وتضارب الخيارات والرهانات السياسية في البلد.
كانت إدارتي للحملة الرئاسية في ولاية تكانت ولقاءاتي مع فخامة رئيس الجمهورية ، قد زرعت في نفسي كثيرا من التقدير لهذا الرجل، ولأسلوبه في العمل وفي اختيار الأفراد، وفي التكليف بالمسؤولية، ومع ذلك كانت الرهبة للقادم إلى القصر ضمن فريق رئيس الجمهورية جزء من أحداث اليوميات الأولى، وربما ما زال منها جزء لا يمكن أن يزول.
في أول اجتماع بعد التئام الفريق الاستشاري، تحدث إلينا فخامة الرئيس بكل أريحية وهدوء، وبعمق وخبرة، مبينة عن رؤية استيراتيجية لما هو كائن وما يري السيد الرئيس أن يكون.
وتشاء الأقدار أن تكون أيام السنوات الثلاث ولياليها شهودا على عمل دؤوب، وهادئ استطاع قائده ترويض الأزمات، وتطويع تعقيدات المشهد بصبر وتأن ومثابرة، حتى رأينا ما كان حلما يتحقق. رأينا البلد وهو يستعيد مصداقيته لدى شركائه الاقتصاديين، ويعبر أزمات صعبة من دون ضجيج.
رأينا المواطن يتشبث بأمل قوي رغم الأزمات. ورأينا مضايق الأزمات تنفرج بفضل المثابرة والفعل الوطني الهادئ، والقرار المدروس.
صناعة التهدئة
استطاع فخامة الرئيس أن يؤكد للجميع أن بإمكان القوى السياسية الوطنية أن تلتقي على كلمة سواء، وأن التشنج والصراع فتيل يمكن انتزاعه بحكمة من الجسم السياسي، وأن المشتركات أكثر، ومساحة الوطن تسع الجميع.
وبغياب الدافع إلى التأزيم، وحلول لغة وأسلوب جديد، بدأت التهدئة واللباقة السياسية تظلل مشهدنا الوطني، عاد المغربون إلى وطنهم، فتلقاهم بالأحضان، واستقبل رئيس الجمهورية في مكتبه رؤساء الأحزاب والسياسيين والمثقفين، وتوسعت دوائر الشراكة بين السلطة ومختلف الأطياف السياسية والوطنية، وذلك سعيا إلى توحيد الجهود وتوجيه الاهتمامات إلى الهم المشترك وهو الصمود في وجه الأزمة الدولية التي اجتاح بها كوفيد العالم والنهوض إلى تحقيق الآمال الشعبية التي تضمنها برنامج تعهداتي.
في حقائب الإنجاز الكثير مما احتل مكانته في المنظومة الاقتصادية الوطنية وفي تدبير الملف الاجتماعي، وفي غرس بذور الإخاء والانحياز للطبقات الهشة، وتشجيع الأيدي العاملة، ومساعدة الفئات المغبونة عبر مساعدات عينية ومادية متعددة، كلفت الدولة عشرات المليارات.
ولقد كانت فلسفة القطاعات الاقتصادية المتعددة معبرا أساسيا نحو إعادة تطوير وتثمين الاقتصاد الوطني، وتنويعه، وهو ما كان له الدور الكبير في تعزيز صمود الاقتصاد وفي امتصاصه للهزات التي أضعفت اقتصاديات قوية جدا، ودفعت إلى أحداث واضطرابات في بلدان عديدة.
لقد كان لأنشطة وفعاليات وكالة تآزر ومفوضية الأمن الغذائي دور كبير في مواجهة الأزمة الغذائية التي عانى منها العالم، ودور مهم في إنقاذ الثروة الحيوانية رغم صعوبة الأوضاع والتكاليف الباهضة.
وهكذا وجد الفقراء والمهمشون في ثلاث سنوات بعد تنصيب رئيس الجمهورية كثيرا مما كان يعتبر مستحيلا في المقاربات التنموية السابقة، ومن ذلك على سبيل المثال":
- التأمين الصحي الكامل لـ 88263 أسرة
- برنامج غذائي مدرسي لفائدة 66237 تلميذا
- المساعدة في مواجهة الصدمات لفائدة 210.000 أسرة فقيرة.
- تزويد 1.750 دكان تموين لتوسيع النطاق الجغرافي للاستفادة الاقتصادية من المواد الغذائية.
- المساعدة المباشرة للسكان المحتاجين الإسعاف العاجل لـ 215.000 شخص.
- المساعدة المباشرة للسكان ذوي الهشاشة لفائدة 70729 شخص.
- الدعم الغذائي للتلاميذ من مناطق هشة وهو ما استفاد منه24232 تلميذا.
- التكفل بمصاريف تصفية الكلى لـ 25164 مريضا.
- التكفل بعلاجات 2261 مريض معوز.
- مساعدات مالية لصالح 604 من الأطفال متعددي الإعاقات.
- الوقاية من سوء التغذية لـ 10200 طفل ممن تتراوح أعمارهم بين 0 و5 سنوات.
ولقد أخذت الزراعة والتنمية الحيوانية هي الأخرى نصيبا غير منقوص باعتبارها جزءا أساسيا من دائرة التموين والاكتفاء الذاتي،وسجل عداد الإنجاز في هذين القطاعين أرقاما مهمة وحصيلة إنجازات نوعية منها على سبيل المثال:
- إنشاء صندوق لترقية التنمية الحيوانية بميزانية قدرها 700.000.000 أوقية جديدة.
- تطعيم ملايين من المواشي ضد الأمراض الموسمية، من بينها تطعيم أكثر من 6 ملايين من الأغنام.
- بناء 133 حظيرة تطعيم
- بناء وترميم 46 مركزا بيطريا
إقامة 42 حفرا رعويا و94 بئرا ارتوازينة
- دعم مالي لصالح 8160 من المنمّين.
أما الزراعة، التي لم تعد كما قال رئيس الجمهورية خيارا بل أصبحت ضرورةـ فقد ارتفع فيها مؤشر الإنجاز ليسجل على سبيل المثال:
- استصلاح أكثر من تسعة آلاف هكتار، ويجري العمل أربعة آلاف أخرى.
- بناء 49 سدا وتنظيف محاور مائية على طول 81 كيلومترا وإطلاق بناء 25 سدأ.
- استغلال 8700 هكتار من الخضروات.
وفي المحور الطرقي، كانت الأعمال مستمرة ومتسارعة وأنجزت في ثلاث سنوات، وأكملت:
- تعبيد 107 كلم في مختلف مقاطعات نواكشوط.
- تعبيد 13 كلم في أكجوجت.
- إكمال محاور طرق متعددة منها بمسافة 887 كم في بنشاب، واركيز-المذرذرة، وكيفه-بومديد، وباسكنو-فصالة، ونواكشوط-روصو؛ وازرافية-تامشكط، والنعمة-أشميم، ولعوينات–ديكني، وكوندل-مقامه.
أما في قطاع التعليم، فإن إقرار القانون التوجيهي لإصلاح التعليم كان مكللا لسلسلة من الإنجازات في محاور متعددة منها:
- تشييد أكثر من 1500 فصل دراسي
- اكتتاب حوالي 8000 مدرس
- زيادة علاوات البعد والطبشور
وتتواصل مسيرة الإنجاز، وتتكامل، حيث كان القطاع الصحي عنوان معركة الصمود في وجه جائحة كورونا، التي تكللت بالنصر، ورفع قدرة القطاع الصحي بعد أن كان الحصول على نتائج فحص يتطلب انتظار رحلة خارجية، واليوم يمكن للقطاع أن يفخر بكثير ممن أنجز ومنه على سبيل المثال:
- التصدي الناجح لموجات كوفيد المتتاية.
- اكتتاب 1565 موظف.
- إنجاز 1 037 261 اختبار للكوفيد
- اقتناء 4 مركزيات للأكسجين و8 شاحنات مثلجة لنقل الأدوية واللقاحات.
- بناء وتجهيز 26 مركزا صحيا و21 نقطة صحية.
- افتتاح مستشفى محمد بن زايد مع تعديل موقعه وتجهيزه بمركزية أكسجين ومختبر وأدوية ومستهلكات بالإضافة إلى العناصر البشرية؛
- تركيب سبع مركزيات أكسجين في المستشفيات
- التكفل مجانا بعلاجات 13 609 مريض
- التكفل مجانا بعلاجات 9 236 مريض منقول إلى الخارج
- الحصول على أعلى نسبة تلقيح في المنطقة.
وإلى جانب هذه المحاور، كانت مسارات الولوج إلى الخدمات الأساسية في الري والكهرباء في ارتفاع متواصل، مما مكن على سبيل المثال
- إطلاق مشروع إنجاز مشروع آفطوط
- مد و 570 كلم من مواسير المياه
- إنجاز 400 شبكة للتزوّد بالماء الصالح للشرب
- إنجاز 295 حفر للاستغلال في 351 بلدة
- تزويد 191831 أسرة بالماء في الوسط الحضري و 1896بلدة ريفية
- تقوية شبكات التوزيع في تجكجة، وكيفه، وكرو، وكنكوصه، وكيهيدي، ونواذيبو، والطينطان.
وفي مجال الطاقة يمكن أن نأخذ على سبيل المثال جملة من الأرقام الدالة منها
- كهربة و توسيع شبكة 100 بلدة
- وإنجاز خطوط الجهد العالي 225 كيلوفولت تربط بين نواكشوط ونواذيبو، وبين نواكشوط وازويرات، وبين نواكشوط وكير بير (السنغال).
- إنجاز شبكات كهربائية في منطقة النعمة – تنبدغه، ولعيون – ادويراره، والنعمه –انبيكت لحواش، والنعمه – آمرج، والنعمة – بانكو، وآمورج – عدل بكرو، وعدل باكرو – حقل الالتقاط في بوقله
- تزويد 124 بلدة بالطاقة الكهربائية إضافة إلى الإنارة العمومية.
- التسليم الجاهز لخطوط 33 كيلوفولت بين بوتلميت وألاك، وبين ألاك وصنغرافه.
- بناء محطة للطاقة الهوائية
كلمة عن الأرقام
لن يكون لي كبير تعليق على هذه الأرقام فقراءتها تحتاج مساحات، وأدوات معرفية قد لا تكون متاحة لي، ولكن لي تعليقات قصيرة، أوجزها على شكل نقاط:
1. قاربت هذه الأرقام على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مادة أساسية في غذاء الموريتانيين، كمادة الأرز. وقد قال وزير الزراعة قبل أيام إن منتوجها يفوق قدرة البلد التخزينية. وهو تعبير ذو دلالة عميقة فيما يتعلق بمستقبل أمننا الغذائي.
2. يكاد الجانب الاجتماعي من هذه الإنجازات أن يضع حدا لبعض مظاهر الهشاشة التي عانى منها جزء كبير من مواطني هذا البلد، ولم أجد تعبيرا أبلغ من قول إحدى المستفيدات من برنامج التأمين الصحي، أنها عادت إلى بيتها ذلك المساء وهي تحس أن لها بلدا، ودولة ورئيسا.
3. أن اقتصاد البلد أخذ في التعافي مع تراجع حجم المديونية، وتزايد أرقام النمو، واستقرار أسعار صرف العملة. وما تضاعف حجم ميزانية البلد، التي فاقت تريليون أوقية لأول مرة، بعد أن كانت 518 مليار في العام 2019، إلا واحد من المؤشرات على تعافي اقتصاد البلد واستعادته ثقة الشركاء الماليين والاقتصاديين.
لقد أنهت الدبلوماسية الاقتصادية الرشيدة أزمة الديون الكويتية التي عاش الاقتصاد الوطني في ظلالها عقودا من الزمن، وأضعفت تنافسية الاقتصاد بسبب حجم الديون فيمقابل الناتج المحلي الإجمالي.
4. ولو أطلقت العنان لهذه الملاحظات لما توقفت دون ذكر تحسن وضعيات العاملين في التعليم والصحة الذين فاقت زيادة دخول بعضهم كل الزيادات التي شهدتها على مدى تاريخها. والسبب أن الزيادات هذه المرة تتجه إلى مناطق من الراتب لا تطالها الضرائب.
بطبيعة الحال فإن استعراض كل الأرقام في حيز كهذا من المستحيلات، وما أشرت إليه مجرد نماذج انتقيتها على عجل وبطريقة غير منظمة، من حصيلة كنت شاهدا ومتابعا لأغلبها، وحاضرا بشكل جزئي في بعضها.
توقعت عند بداية المشوار أن يتحقق كثير من الذي تحقق، ولكني كنت في الحقيقة بعيدا عن تقدير حجم التحديات التي تحيط بإنجازها، والحق أن بعضها لم يكن ليخطر لي على بال.
لقد اكتنفت هذه الحصيلة ظروف صعبة أعاقت تقدم أمم، ودول، تفوقنا مقدرات ، ولولا ما حبا الله به قيادتنا من تجربة وحكمة، وقدرة استثنائية على تحديد المسارات بدقة، ورسم خطوط الفصل بينها، لما كان لنا أن نكون حيث نحن الآن .
الدكتور أحمد سالم محمد فاضل
مستشار في رئاسة الجمهورية وعضو المكتب التنفيذي لحزب الانصاف