انتابنا شعور بالصدمة بمجرد سماعنا لخبر استشهاد الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب. وكأن وفاته في ظروف الاعتقال اللاإنسانية شديدة السوء؛ بالشيء المستبعد. شرع الناس في مشارق الأرض ومغاربها يصلُّون عليه صلاة الغائب، ويترحمون عليه، ويؤدون العمرة عنه من بلاد رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم برغم قيود ابن سلمان، ومراقبته الشديدة لكل شاردة وواردة.
واشتعلت الصحافة ومنصات السوشال ميديا بالخبر تناقشه من شتى جوانبه.. الأغلبية الساحقة تنعى الشهيد وتقتبس من أقواله وتعدد مآثره، وتستشهد بمقاطع الفيديو المصورة له قبل وخلال أسره، وتتهم العسكر بقتله أو على الأقل بالتسبب بقتله، وخرج الناعقون من أبواق الإعلام الرسمي في شتى بقاع الأرض ممن نذروا أنفسهم لتبرير الأفعال الرسمية الشائنة، يدافعون عنها، ويرددون الرواية الرسمية للدولة المصرية، ويكيلون التهم ويحقّرون من الإخوان، وكأن قضية الدكتور مرسى رحمه الله ومحاكمته غير العادلة وظروف احتجازه اللاإنسانية قضية إخوان فقط، وليست قضية وطن مسلوب منتهك السيادة، بيعت وما تزال تباع أجزاء منه؛ مقابل فتات من المال أو تسوية قضايا عالقة.. وطن ركع أمام جبروت أمريكا ودولة الاحتلال مقابل لا شيء، وضحى بخيرة أبنائه بلا خجل أو وجل، وشنَّ عليهم حرباً لا هوادة فيها، فأخفاهم قسرياً، واعتقلهم، ورماهم في سجون سيئة الصيت والسمعة، وعذبهم، وفتك بهم تحت تعذيب لا يخطر على بال بشر، وأعدمهم بتهم لا يقبلها عقل أو منطق، وشردهم من بلادهم وزج بهم في بلاد التيه، وألجأهم إلى البحر في موجات هجرات غير شرعية وتركهم عرضة لقوارب الموت؛ تنهش حياتهم وتبتلع مستقبلهم بين وحوش البحر وحيتانه التي تطاردهم وتلتهمهم.
الغالبية العظمى من الجهات الرسمية العربية وحتى الأجنبية التي تدَّعي لنفسها الديمقراطية صمتت صمت القبور إزاء هذا الخبر، وأصمّت آذانها وكأنها لم تسمع ولم تدرِ ولا علم لها، بينما حين يتعلق الأمر بالدولة الأمريكية أو الدولة الصهيونية يبادرون وبسرعة إلى نقل مشاعرهم الحزينة، وبثِّ بكائياتهم التي لا تنتهي.
والآن لنأتي للسؤال الأهم والذي يحمله عنوان هذا المقال: من الذي قتل الدكتور محمد مرسي؟
أيكون العالم العربي الذي صمت عن طغيان فرعون مصر الذي غدا أسلوبه الأمثل في إدارة البلاد وحكمها يتمثل باعتقالات وانتهاكات تجري داخل سجونه وإعدامات ميدانية أو داخل السجون، ومحاكمات غير عادلة يبررها على مرأى ومسمع من العالم ويتحدث عنها ضاحكاً ساخراً وكأنه يروي نكتة هزلية، ويرى أنه لا بُد من هذه الانتهاكات لتسير الأمور بشكل جيد في هذه الدولة بالذات، فما يصلح لأمريكا وأوروبا لا يصلح لمصر!
أيكون القاتل الحقيقي عالم عربي كل فيه غارق في همومه وويلاته ومعاركه الخاصة مع طغاته وفراعنته حتى أذنيه، منشغل بنفسه عن قضايا الأمة جمعاء؟
أيكون الشعب المصري هو المسؤول الحقيقي عن التسبب في موت الدكتور مرسي في معتقله؟ أيكون المصريون هم المسؤول الفعلي باستسلامهم وخنوعهم وركوعهم أمام العسكر الذين جرفوا مصر نحو أسفل سافلين في جميع النواحي، فلم يسلم اقتصاد ولا تعليم ولا مستوى صحي ولا تكنولوجي... من هذا الانحدار، لدرجة أن مصر أُزيحت من مركز الصدارة من كل ما ميزها يوماً وأعلى من شأنها أمام دول العرب ودول العالم وقضايا العرب والمسلمين؟
أيكون صمت وغيبة الجمعيات والمنظمات الحقوقية التي تصمُّ آذانها عن آهات وأنين وعذابات البشر حين يتعلق الأمر ببشر ذوي توجهات إسلامية؟ جمعيات تسمع دبيب النملة وصراخ الصرصور وأنين العنكبوت حين يتعلق الأمر بغير المسلمين كالصهاينة مثلاً، وتصم آذانها وتفقد القدرة على سماع الصرخات والنداءات والاستغاثات حين يتعلق الأمر بمن تسول له نفسه وأفكاره أن يكون إسلامي الفكر والتوجهات؟
أليس الدكتور محمد مرسي إخوانياً؟ فكيف لتلك الجمعيات إذن أن تناصره وتدافع عن إنسانيته وحقِّه في حياة تليق بالبشر؟ فليس بمستغرب إذن أن نجدها تنأى بنفسها عن قضيته وعذاباته وقضية وعذابات رفاقه في السجن، حتى لو كانت قضية عادلة، وعذابات ظالمة.
هل المتسبب الحقيقي في موت الدكتور مرسي هو صمت الحكومات الأجنبية (وعلى رأسها أمريكا وأتباعها) التي تشن الحروب ضد ما تسميه الإرهاب (والذي لا أعلم له تعريفاً واضحاً لا لُبس فيه تستطيع بموجبه فصل الناس إلى صنفين" إرهابي وغير إرهابي) حين يمسُّ الأمر أي شيء يحمل في باطنه أو ظاهره تهديداً لمصالحها، بينما نجدهم يصمتون أمام كل ما ليس له علاقة بهم وبمصالحهم تحت مبدأ "فلتحترق الدنيا بعيداً عني"؟ أيكون صمت الحكومات والجهات الرسمية الأجنبية عن الانقلاب هو ما تسبب في قتل الدكتور مرسي؟ هذا الانقلاب الذي جرى في مصر ضد الشرعية التي أوصلت الدكتور محمد مرسي إلى سدة الحكم، وجميعنا راقبنا العملية الانتخابية آنذاك، وشاهدنا بأم أعيننا كيف انتخبه الشعب، وجاء به رئيساً عبر صندوق الانتخابات.
أيكون قبول الحكومات الأجنبية بالاجتماع بالسيسي واستقبالها له في زياراته الرسمية ومصافحته، ومعاملتها له معاملة رؤساء الدول المحترمين الذين اختارتهم شعوبهم، هو السبب؟
أم أن السبب الذي أودى بحياة الدكتور مرسي خليط قذر من تلك العوامل مجتمعة شجعت الانقلاب على التسبب بموته ببطء؟
الكاتبة/ زهرة خدرج