شكل اكتشاف حقل للغاز الطبيعي على الحدود البحرية بين موريتانيا والسنغال وإعلان شركة "كوسموس إنرجي" الأميركية عن مخزونه الكبير، لحظة مهمة في حياة الملايين من السكان الذين يعيشون في إحدى أفقر مناطق غرب أفريقيا، وفي وقت استبشر كثيرون باكتشاف حقل للغاز الطبيعي للمرة الأولى، أبدى آخرون تخوفهم من نشوب خلافات بين البلدين المتعطشين لأي ثروة غازية تنقذ الملايين من فقرهم وتساعد في رفع مستوى التنمية وانتشال الاقتصاد من الركود.
وأعاد اكتشاف حقل "السلحفاة" الذي يقدر احتياطه بنحو 25 تريليون قدم مكعب للغاز مخاوف الموريتانيين والسنغاليين، على حد سواء، من ارتفاع حدة التوتر في العلاقات بين نواكشوط ودكار حيث لم تتوقف خلافاتهما إن على الحدود أو في ما خص الثروة السمكية أو المهاجرين منذ حصول البلدين على الاستقلال عام 1960. وسبق أن عانى البلدان حرباً أهلية دامية عام 1989 تحولت إلى مواجهة عسكرية بين البلدين.
بديل لغاز روسيا
وبات يُنظر للغاز الموريتاني كبديل محتمل لتعويض الإمدادات الأوروبية من الغاز الروسي، إذ من المتوقع أن يبدأ إنتاج الغاز من حقل "السلحفاة" المشترك مع السنغال، العام المقبل.
وتسعى السلطات الموريتانية إلى الاستثمار بشكل سريع في هذا القطاع، وتجنب أي خلاف قد ينجم بسبب حساسية الوضع السابق بين نواكشوط ودكار، على رغم وجود الحقل الغازي على الحدود المشتركة قبالة الشواطئ المشرفة على المحيط الأطلسي.
وكان البلدان قد وقعا عقداً مع الشركة المكلفة بالتنقيب والاستخراج على لتقاسم الغاز ما بدد إلى حد ما مخاوف الشارع الموريتاني من نشوب خلافات بين البلدين في الوقت الراهن، ورفع حجم التطلعات باستغلال الثروة الغازية المكتشفة بالمحيط الأطلسي لإنعاش اقتصاد البلاد.
وتبدو الأرقام المعلنة عن حجم الإنتاج المتوقع، التي فاقت 10 ملايين طن سنوياً، مشجعة، بخاصة مع إعلان الشركات العاملة في مجال التنقيب، عن اكتشاف حقول غازية أخرى، وسعي شركات عملاقة لدخول مجال التنقيب عن الغاز في الساحل الموريتاني.
آفاق واعدة
في الأثناء، قال الخبير الاقتصادي محمد لمين ولد أمحم إن "مخاوف الموريتانيين ظهرت مع بدء أعمال الحفر والتنقيب عن الغاز الطبيعي في الساحل الموريتاني، وسبق أن أُعلن أن هذه الآبار هي داخل الحدود الموريتانية، ثم أُعلن لاحقاً أنها داخل الحدود البحرية المشتركة بين موريتانيا والسنغال، ما شكل حالة من اللغط داخل الشارع الموريتاني"، وأشار إلى أن وجود الحقل الغازي داخل المياه الإقليمية الموريتانية - السنغالية، لا يشكل مشكلة إذا تم تأكيد حصة كل طرف بالخرائط، وتأكيد باقي الاكتشافات المستقبلية التي يتم التنقيب عنها حالياً.واعتبر الخبير الاقتصادي أن بدء استغلال الثروة الغازية سيشكل مرحلة مهمة وسيفتح آفاقاً واعدة أمام الاقتصاد الموريتاني، "هذا الحدث سيحسن مناخ الأعمال والاستثمار في البلاد وسيعزز مكانة موريتانيا كقطب اقتصادي فاعل في منطقة غرب أفريقيا، كما أنه سيوفر آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة إضافة الى إنتاج الكهرباء".
اهتمام أوروبي
ويستأثر الغاز المكتشف غرب موريتانيا والسنغال على اهتمام الدول الأوروبية نظراً لموقع الحقل القريب من "القارة العجوز" التي تعاني من تأثيرات قطع إمدادات الغاز الروسي عنها، وتبحث جاهدة عن بديل يغطي احتياجاتها. واعتبر الباحث المختص في العلاقات الأفريقية- الأوروبية محمد ولد السعيد أن هذه المنطقة من غرب أفريقيا حيث توجد موريتانيا والسنغال أصبحت محط اهتمام بسبب الثروة الغازية التي سيتم بدء إنتاجها في وقت تشتد الحاجة إليه بشكل كبير، وأضاف أن الموقع الاستراتيجي للحقول المشتركة بين البلدين وقربه من أوروبا، يجعله أفضل بديل للغاز الروسي بخاصة، العام المقبل، حيث ستكون أوروبا في أمس الحاجة للغاز الطبيعي، وأكد أن الظروف الإقليمية والعالمية تشجع بلدان غرب أفريقيا على الاهتمام بالاستثمار في الحقول النفطية والغازية، والشركات العالمية على اكتشاف مزيد من الحقول.
التنقيب
وإلى جانب الحقل الذي تتقاسمه موريتانيا مع السنغال، توجد بئر أخرى في المياه الإقليمية الموريتانية الخاصة، وسيتم بدء استغلالها، العام المقبل. ويتوقع المراقبون أن تصبح البلاد، نهاية عام 2023، ثالث دولة في أفريقيا بعد نيجيريا والجزائر في مجال تصدير الغاز.
وبدأ عدد من شركات التنقيب العالمية البحث عن فرص استثمار في دول غرب أفريقيا في مجال النفط والغاز، من بينها شركات تربطها عقود حالياً مع موريتانيا وهي "بريتش بتروليوم" البريطانية، وشركتا "كوسموس إنرجي" و"إكسون موبيل" الأميركيتان و"توتال" الفرنسية.