كان رجلا ممن يصدق عليه دون مبالغة: (الرجل كثير.) عاش عمرا خصيبا ومات حميدا، سلوكا وسيرة.
كان رحيل د. محمد رحيلا لمن رحل عنهم، وقديما قال شاعر الكون المتنبي::
إذا ترحلت. عن قوم وقد قدروا
أن لاتفارقهم فالراحلون هم.
لا لأنا قادرون هنا على رد الرحيل وإن ننا لا نريده؛ بل لأننا لانستطيع منعه، لكنها سنة الله المسلمة في خلقه.
رحيل خسارة للعالم باعتبار العلامة محمد المختار عالمي الثقافة، وخسارة للعالم الإسلامي باعتباره عالما متصدرا في علوم الإسلام، وخسارة للعرب باعتباره عالم لغتهم وأدبهم المجلى، وخسارة للمغرب والمشرق العربيين باعتباره صديق الكل ومرجعه، وخسارة لموريتانيا باعتباره عنوانا كبيرا شاهدا صادقا لثقافتها المحظرية الأصلية وتأسيس ثقافتها الحديثة بتوفيق نادر، لا شحناء فيه ولاتقصد ولا تظاهر، ولا رؤية للفضل على الغير مع صحة الفضل له، كان كل ذلك دون أن يقتنع بأنه كذلك، أو يلمحه صديق قريب أو متخرص بعيد، ولم يذكر ذلك أبدا أمام العامة أو الخاصة في جد ولا هزل.
وكان رجلا بناء للإنسان تربويا ومعرفيا، قارئا للقرآن متدبرا لمعانيه، ومؤلفا غير مسبوق ولاملحوق به في مجالات كثيرة. وكان شاعرا مطبوعا مجيدا وناقدا منظرا، وفقيها سمحا، وعرفانيا شفاف الروح مشرق القلب. خلد نفسه وذكره بكل لطف وحضور.
عزاؤنا فيه ما ترك لنا من ذرية صالحة بكل المقاييس البشرية، ومن نفائس وروائع الأدب وشواهق العلوم وترجمات فذة على رأسها ترجمة معاني القرآن.
لقد سار في دربه المنير إلى النهاية السعيدة بثبات واجتهاد وهدي وإيمان وسماحة باثا الخير عميما على جنبات دربه دون كلل ولا من ولا أذى، نرجو له سابغ الأجر عند ربه، وأن يكون ممن لاخوف عليهم ولاهم يحزنون،
معزين فيه العالم كلا، والعالم الإسلامي، والعربي وموريتانيا، والقلم وكل طلابه ومريده، وعلى رأس الجميع أسرته الكريمة النبيلة التي استنارت بهديه حيا، وستسير عليه -قطعا- بعد الرحيل الفاجع.. لهذا الطود الأشم حقيقة ومجازا.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
و إنا لله وإنا إليه راجعون.
الدكتور محمد ولد أحظانا