فإني على عجالة أقول:
إن أشد أنواع التطرف ذلك الذي يحمل فيه أبناء الوطن السلاح ضد المجتمع وضد الدولة أو الذي يخلق فيه بعض المواطنين حالة من العصيان والفوضى العارمة المجهولة العواقب..
ولقد حصل بعض ذلك بالفعل في الماضي:
1. حالة شبه العصيان في أحداث 1966 بسبب القانون رقم 026..65 الصادر بتاريخ 30 ينار 1965 القاضي بإلزامية تعليم اللغة العربية بزيادة ساعتين منها وساعة من التربية الإسلامية؛ مما اعتبره بعض الإخوة الزنوج تأسيسا لإقصائهم في المستقبل من هذه الدولة الفتية متأثيرين بحالة الاستقطاب الإقليمي والدولي حسب رأي رئيس السلطة حينها في مذكراته، حيث قال بالحرف إن سينغال وفرنسا كانتا وراء تلك الأحداث....
وقد وصلت حالة الفوضى إلى ذروتها يوم 6 فبراير 1966.... حيث كان عدد القتلى 6 و عدد الجرحى 70..... ناهيك عن عدد الحصيلة الكلية المختلف عليها.
2. حرب الصحراء ( 1975... 1979) أنضم بعص الموريتانيين من مجموعة العرب إلى جبهة البوليزاريو ... إما بالإنخراط المباشر في العمليات العسكرية أو من خلال تزويد الجبهة بالمعلومات الاستخباراتية الحساسة..
مما كان له أثر كبير في ادائنا في تلك الحرب وقدرة القوة المعادية على تنفيذ عملياتها في عمق التراب الوطني ... وفي النهاية خروجنا من تلك الحرب بخفي حنين
2. أحداث 1989- 1992
حمل عناصر من الزنوج خصوصا حركة أفلام السلاح ضد الشعب وضد الجيش ... على طول نهر السنغال وواد كاراكور ... وفي الوقت نفسه استفادت الجهات المعادية للبلد حينها من المعلومات التي ترسلها نفس العناصر من المجموعة العرقية في الداخل...
مما نتج عنه ردات فعل خطيرة ومتشجنة للنظام القائم حينها تسبب في ضحايا كثيرة من الأفارقة الموريتانيين ليتسبب في ما يعرف اليوم بموضوع "الإرث الإنساني" والذي لم تستطع البلاد حتى اللحظة الخروج من عقده وتداعياته
3.. كما أن فترة حرب البلاد مع الإرهاب من (لمغيطي تورين القلاوية.. حاسي سيدي ... باسكنو نواكشو...إلخ) واجهت البلاد بعض مواطنيها الذين كانوا منخرطين - ولا يزال البعض منهم كذلك- في التنظيمات المتطرفة
كل هذه الهزات العنيفة والتي كادت أن تنسف بالاستقرار والسكينة العامة للشعب لم يتم توقعها مسبقا. وبالتالي فإن التعامل معها كان دون المستوى المطلوب.... وكلف البلاد كثيرا من الضحايا والخسائر ...
إن الدروس والعبر التي علينا أن نأخذها من هذه المحطات المؤلمة من تاريخنا أن العبقرية في "فن التوقع" القائم على التخطيط الصارم لمواجهة أسوء السيناريوهات، هو السبيل الوحيد والكفيل بمنع مثل هذه الأحداث .... وذلك من خلال إجراء دراسة معمقة للدوافع التي قد تجر بعض المواطنين لحمل السلاح ضد الشعب والوطن أو ما يماثل ذلك من فوضى عارمة من جهة وكذلك السبل الكفيلة للتحكم في ذلك التمرد إن شب والسيطرة عليه...
وإذا سلطنا الضوء على الهزات التي وقعت فإننا سنجد أن ما وقع 1966 و 1975 وكذلك 1989.... كان سببه قوة انتماء بعض المواطنين لأعراقهم ودائرة تلك الأعراق في شبه المنطقة على حساب الانتماء المبدئي والعميق للوطن ... فبعض المواطنين من العرب كان في دائرة جماعة "البوليرزيو" التي هي مجموعة صرفة من العرب (الناطقين بالحسانية... دارجة العرب في موريتانيا).. وهي نفس الحالة التي كانت فيها جماعة من الزنوج في دائرة العداء للوطن مع السنغال.
إنه وبكل بساطة الفشل في إدارة التنوع
أما بالنسبة لموضوع الإرهاب فكانت أسبابه مختلفة... منها ما نتج عن بعض التصرفات التي صدرت من نظام ولد الطايع خصوصا منذ سنة 2003.. حيث اعتقل بعض العلماء وتبنى النظام خطابا يجذب التطرف إلى البلاد الذي لم تكن قواعده بعيدة .... بل إنه على تخوم حدودنا .. ناهيك عن العداء الحاصل بين مفهوم الوطن والانتماء إليه ومفهوم الولاء والبراءة عند أولئك....
أ. التضامن بين التطرف والتباين العرقي:
الخطير في المستقبل أنه علينا أن نتوقع إمكانية التشابك مابين التداعيات الخطيرة في عدم النجاح في إدارة التنوع والمخاطر الكارثية للتطرف ....
وليس مثال مالي التي تحد البلد بحدود طولها 2374 كلم ببعيد. فقد وجد التطرف ومدرسته ضالته في الصراع العرقي في هذا البلد.... حيث انضم الكثير من الفلان في إطار الصراعه العرقي بين هذه المجموعة ومجموعة بنبارة ...والمجموعات العرقية الأخرى.. إلى تنظيم القاعدة من خلال "كتيبة ماسينا" والتي نفذت في الثاني من أغشت الماضي أخطر عملية ضد أكبر قاعدة عسكرية في باماكو حيث يقيم الرئيس المالي العقيد كويتا... كما أن باقي التنظيمات من تنظيم الدولة إلى القاعدة إلى أنصار الدين وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين .... إلخ كثير من قادتها و عناصرها من العرب والطوارق الذين هم في صراع عرقي مسلح منذ عشرات السنين بهدف الانفصال... ولديهم تشكيلات عسكرية مسلحة خاصة بهم ... واستفاد الجميع من انهيار الدولة الليبية التي تحول كثير من العناصر الأزوادية التي كانت جزءا من القوات المسلحة هناك مع عتادهم الثقيل إلى المنطقة..... حيث ما فتئ الجيش المالي في بياناته العسكرية يتحدث عن تدمير عربات مصفحة من خلال عمليات جوية للطائرات الروسية.
وفي آخر تصريح للسنغالي عليون تاين المبعوث الأممي من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والذي زار جل الأراضي المالية... قال إن أكثر من 66% من الأراضي المالية خارج إطار سيطرة الدولة المركزية...
إن ماحصل في دولة مالي والذي حولها في النهاية إلى شبه دولة فاشلة لرسالة قوية علينا أن نفهم مضمونها بشكل جيد خصوصا في ظل التشرذم السياسي الذي نعيشه
ب. إكرهات ديمقراطيتنا والتشرذم:
إن الديموقراطية التي تأسست في موريتانيا منذ دستور 1991 لم يكن هدفها التناوب على السلطة بل كان هدفها استمرار أؤلئك الذين أسسوها في إدارة البلاد.. فنتج عن ذلك زواج المصالح أو الاعتقال المتبادل بين مؤسسة الفساد ممثلة في المؤسسة التقليدية (القبيلة والمحاصصة العرقية..) والنظام السياسي الذي أعتمد على هذه المؤسسة كقاعدة انتخابية....
ولم تستطع الأنظمة المتلاحقة حتى اليوم تحرير نفسها من ذلك الأسر.... بسبب هذه الإكراهات ... وظلت تَلبيةُ مطالب هؤلاء الضيقة والشخصية هي الثمن السياسي لولائهم ... فنشأت طبقة من الموظفين السامين والمتوسطين ولاؤهم لمجموعاتهم الوظيفية على حساب الدولة وأصبح في البلد كيانات كثيرة تتغذي على حساب قوة الدولة وعدالتها وتقدمها .....
..
هذا التشكل الجديد المتوالي نتج عنه أيضا شرخ داخل المجموعة الناطقة بالعربية... فنشأ مايمكن تسميته بخطاب مظلمة الأرقاء السابقين (لحراطين)
* مشكلة لحراطين:
يحتاج موضوع لحراطين لشيء من التفصيل لأن هذه الفئة في طريقها لتشكيل عرق ثالث داخل المجتمع يزيد المصاعب في النجاح في سياسة إدارة التنوع.
كانت البدايات عندما نظم مجموعة من الطلبة من هذه الطبقة تنظيما سريا يطلق عليه (حركة الحر) في 8 مارس 1978 والذي يتضح من اسمه أن هدفه كان مساعدة الأرقاء من التحرر من أسيادهم
تحولت بعد الديموقراطية إلى عمل سياسي تضامن بداية مع القوى المعارضة ثم انخرط لاحقا في حزب سياسي صريح وهو حزب العمل من أجل التغيير (AC) الذي حظر لاحقا ... وتم استخدام الخطاب العاطفي للحشد الانتخابي لهذه الفئة مركزا على موضوع الرق ومخلفاته والتي جعلت الكثير من هذه الفئة تحت خط الفقر ... وينظر لها الأسياد السابقون بنظرة دونية.. ليزيد من الشرخ العرقي إلى شرخ طبقي يحاول البعض تحويله إلى عرقي.... وكان أصحاب هذا الخطاب حاضرين بعدد من النواب في البرلمان وعدد من العمد في بلديات الوطن.... بل إن بعض الحركات السياسية العريقة في البلد كالبعثيين والناصريين لم يتمكنوا من دخول البرلمان إلا بعد تحالفهم مع جماعة لحراطين بسبب عدم إيجاد حزب مستقل للمجموعة الأخيرة. وفي آخر انتخابات رئاسية حصل أحد زعماء هذا الخطاب على أكثر من 19% في الانتخابات الرئاسية... محتلا المرتبة الثانبية بعد مرشح النظام..
وفي مواجهة هذه الظاهرة وهذا الخطاب الجديد حاولت الأنظمة منذ بداية الديموقراطية وحتى اليوم، سحب البساط من المعارضين من هؤلاء فقامت بتعيين الكثير من هذه الفئة في وظائف سامية.... الشيء الذي عزز هذا الخطاب وضاعف من حالة الانقسام....
ووصل هذا الشد والمد إلى حالة وصف فيها بعض زعماء هذا الخطاب البلاد بالدولة العنصرية ونظام لابرتايد....
مما نتج عنه حالة من العداء داخل النخبة وعامة الشعب.... الشيء الذي جعل البعض يحاول إقصاء ذلك الخطاب من المشهد السياسي من خلال عدم تشريع حزب لأحد أهم قادته... خوفا من مضايقته في المقاعد الانتخابية... وهو لعمري لعين الخطإ لأنه دفع البعض إلى العمل خارج القانون وبالتالي خارج الضوء وما قد ينجر عن ذلك من مخاطر لا يمكن توقعها... وبالنسبة لأصحاب هذا الرأي فإنهم يفتقدون إلى الحنكة لأن إدارة حزب يطمح لرئاسة البلد تتطلب جهدا وعملا ليلا ونهارا وضخ الكثير من الوسائل الشي الذي يؤدي بالقادة والأنصار إلى الانغماس في العمل السياسي وإكراهاته التي لا تنتهي...أما العمل خارج ذلك فهو بطالة وتفرغ لردات فعل غير محسوبة ولا يمكن حتى لقادة هذا التيار التحكم فيها... و لا تكلف سوى دعاية من حين لآخر في الإعلام بشقيه الجديد والقديم...
. الصراع الطبقي
كما أن حالة التشتت والتشرذم في طبقات المجتمع خصوصا العربي منه شمل طبقات أخرى...مثل ذلك اللغط الذي حصل بسبب قضية الصلاة على المرحومة بإذن الله تعالي ديم بنت آبه التي هي من طبقة (إيكاون... الفنانين) قيل حينها بأن أحد العلماء البارزين تهرب من الحضور خوفا من الصلاة عليها... وهو ما اعتبره البعض ازدراء لتلك الطبقة
ضف إلى ذلك قضية الزين ولد القاسم والصناع التقليديين والنائب سعداني وحزبها..... وأخيرا قضية زواج فنان مع فتاة من غير طبقته وحالات الاسترقاق التي ما فتئت تسبب ضجة وتلاسن بسبب التأكيد والنفي في نفس الوقت.... في ظل الإعلام الذي يصنع الكراهية فيه كل من هب ودب ...إنها كلها عوارض للغليان داخل المجتمع بين المتشبثين بالموروث القديم والثائرين على ذلك... غذى ذلك الغليان صراع المصالح الانتخابية والنفعية التي تُجنى من مساندة النظام
إنها حرب صامتة داخل المجتمع تطفوا على السطح في كل مناسبة وأحيانا من دون مناسبة...
وقد جاء الاعتراف بهذا الغليان من أعلى سلطة في البلد في خطاب وادان المعروف حيث قال رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني بالنص """ .وإن مما يحز في نفسي كثيرا ما تعرضت له هذه الفئات في مجتمعنا تاريخيا من ظلم ونظرة سلبية مع أنها في ميزان القياس السليم ينبغي أن تكون على رأس الهرم الاجتماعي فهي في طليعة بناة الحضارة والعمران وهي عماد المدنية والابتكار والانتاج.
ولقد آن الأوان أن نطهر موروثنا الثقافي من رواسب ذلك الظلم الشنيع وأن نتخلص نهائيا من تلك الأحكام المسبقة والصور النمطية التي تناقض الحقيقة وتصادم قواعد الشرع والقانون وتضعف اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية وتعيق تطور العقليات وفق ما تقتضيه مفاهيم الدولة و القانون والمواطنة.
وإنني من هذا المنبر لأدعو كافة المواطنين إلى تجاوز رواسب هذا الظلم في موروثنا الثقافي وإلى تطهير الخطاب والمسلكيات من تلك الاحكام المسبقة والصور النمطية الزائفة. كما ادعوهم جميعاً إلى الوقوف في وجه النفس القبلي المتصاعد هذه الأيام والمنافي لمنطق الدولة الحديثة ولما يقتضيه الحرص على الوحدة الوطنية وكذلك لمصلحة الأفراد انفسهم ، فليس ثمة ما هو أقدر على حماية الفرد وصون كرامته وحقوقه من وحدة وطنية راسخة في كنف دولة قانون حديثة.
وأود بالمناسبة تشديد التأكيد على أن الدولة ستظل حامية للوحدة الوطنية والكرامة وحرية ومساواة جميع المواطنين بقوة القانون وأيا تكن التكلفة، كما أنها لن ترتب حقا أو واجبا على أي انتماء إلا الانتماء الوطني.""""" أنتهى الاستشهاد
لقد حاول بخطابه البحث عن مدخل للتخلص من المؤسسة التقليدية المحيطة به ..فقد كان يبحث عن طوق نجاة يخلص الوطن من مآلات غامضة لاحت في الأفق وأصبحت نورا على علم .... لم يفهم من هم خارج الدائرة المحيطة به... تلك المغازلة السياسية .. وبدلا من ذلك قامت الدولة العميقة المتمثلة في المؤسسة الرجعية بإفشال المشروع الطموح والتاريخي للخطاب من خلال وصفه بأنه نوع من النفاق السياسي، حيث فسروه حينها بأنه مجرد تهدئة الخواطر ليس إلا....
لتستمر كرة الفساد بالتدحرج
والصراع الأعمى على المصالح لا يعلوا في الأفق سواه... لتؤول البلاد إلى حالة من الفسيفسا من الكيانات المتصارعة داخل الحزب الحاكم وخارجه كل يبحث عن رزقه ونفوذه من خلال عنوان خاص به لا ينافسه عليه أحد . ..
واختفت المبادئ والنظريات والبرامج السياسية... وأصبح شعار الجميع.. نحن لانريد القضاء على الفساد بل نريد نصيبنا منه.
إني على عجالة أقول:
إن أشد أنواع التطرف ذلك الذي يحمل فيه أبناء الوطن السلاح ضد المجتمع وضد الدولة أو الذي يخلق فيه بعض المواطنين حالة من العصيان والفوضى العارمة المجهولة العواقب..
ولقد حصل بعض ذلك بالفعل في الماضي:
1. حالة شبه العصيان في أحداث 1966 بسبب القانون رقم 026..65 الصادر بتاريخ 30 ينار 1965 القاضي بإلزامية تعليم اللغة العربية بزيادة ساعتين منها وساعة من التربية الإسلامية؛ مما اعتبره بعض الإخوة الزنوج تأسيسا لإقصائهم في المستقبل من هذه الدولة الفتية متأثيرين بحالة الاستقطاب الإقليمي والدولي حسب رأي رئيس السلطة حينها في مذكراته، حيث قال بالحرف إن سينغال وفرنسا كانتا وراء تلك الأحداث....
وقد وصلت حالة الفوضى إلى ذروتها يوم 6 فبراير 1966.... حيث كان عدد القتلى 6 و عدد الجرحى 70..... ناهيك عن عدد الحصيلة الكلية المختلف عليها.
2. حرب الصحراء ( 1975... 1979) أنضم بعص الموريتانيين من مجموعة العرب إلى جبهة البوليزاريو ... إما بالإنخراط المباشر في العمليات العسكرية أو من خلال تزويد الجبهة بالمعلومات الاستخباراتية الحساسة..
مما كان له أثر كبير في ادائنا في تلك الحرب وقدرة القوة المعادية على تنفيذ عملياتها في عمق التراب الوطني ... وفي النهاية خروجنا من تلك الحرب بخفي حنين
2. أحداث 1989- 1992
حمل عناصر من الزنوج خصوصا حركة أفلام السلاح ضد الشعب وضد الجيش ... على طول نهر السنغال وواد كاراكور ... وفي الوقت نفسه استفادت الجهات المعادية للبلد حينها من المعلومات التي ترسلها نفس العناصر من المجموعة العرقية في الداخل...
مما نتج عنه ردات فعل خطيرة ومتشجنة للنظام القائم حينها تسبب في ضحايا كثيرة من الأفارقة الموريتانيين ليتسبب في ما يعرف اليوم بموضوع "الإرث الإنساني" والذي لم تستطع البلاد حتى اللحظة الخروج من عقده وتداعياته
3.. كما أن فترة حرب البلاد مع الإرهاب من (لمغيطي تورين القلاوية.. حاسي سيدي ... باسكنو نواكشو...إلخ) واجهت البلاد بعض مواطنيها الذين كانوا منخرطين - ولا يزال البعض منهم كذلك- في التنظيمات المتطرفة
كل هذه الهزات العنيفة والتي كادت أن تنسف بالاستقرار والسكينة العامة للشعب لم يتم توقعها مسبقا. وبالتالي فإن التعامل معها كان دون المستوى المطلوب.... وكلف البلاد كثيرا من الضحايا والخسائر ...
إن الدروس والعبر التي علينا أن نأخذها من هذه المحطات المؤلمة من تاريخنا أن العبقرية في "فن التوقع" القائم على التخطيط الصارم لمواجهة أسوء السيناريوهات، هو السبيل الوحيد والكفيل بمنع مثل هذه الأحداث .... وذلك من خلال إجراء دراسة معمقة للدوافع التي قد تجر بعض المواطنين لحمل السلاح ضد الشعب والوطن أو ما يماثل ذلك من فوضى عارمة من جهة وكذلك السبل الكفيلة للتحكم في ذلك التمرد إن شب والسيطرة عليه...
وإذا سلطنا الضوء على الهزات التي وقعت فإننا سنجد أن ما وقع 1966 و 1975 وكذلك 1989.... كان سببه قوة انتماء بعض المواطنين لأعراقهم ودائرة تلك الأعراق في شبه المنطقة على حساب الانتماء المبدئي والعميق للوطن ... فبعض المواطنين من العرب كان في دائرة جماعة "البوليرزيو" التي هي مجموعة صرفة من العرب (الناطقين بالحسانية... دارجة العرب في موريتانيا).. وهي نفس الحالة التي كانت فيها جماعة من الزنوج في دائرة العداء للوطن مع السنغال.
إنه وبكل بساطة الفشل في إدارة التنوع
أما بالنسبة لموضوع الإرهاب فكانت أسبابه مختلفة... منها ما نتج عن بعض التصرفات التي صدرت من نظام ولد الطايع خصوصا منذ سنة 2003.. حيث اعتقل بعض العلماء وتبنى النظام خطابا يجذب التطرف إلى البلاد الذي لم تكن قواعده بعيدة .... بل إنه على تخوم حدودنا .. ناهيك عن العداء الحاصل بين مفهوم الوطن والانتماء إليه ومفهوم الولاء والبراءة عند أولئك....
أ. التضامن بين التطرف والتباين العرقي:
الخطير في المستقبل أنه علينا أن نتوقع إمكانية التشابك مابين التداعيات الخطيرة في عدم النجاح في إدارة التنوع والمخاطر الكارثية للتطرف ....
وليس مثال مالي التي تحد البلد بحدود طولها 2374 كلم ببعيد. فقد وجد التطرف ومدرسته ضالته في الصراع العرقي في هذا البلد.... حيث انضم الكثير من الفلان في إطار الصراعه العرقي بين هذه المجموعة ومجموعة بنبارة ...والمجموعات العرقية الأخرى.. إلى تنظيم القاعدة من خلال "كتيبة ماسينا" والتي نفذت في الثاني من أغشت الماضي أخطر عملية ضد أكبر قاعدة عسكرية في باماكو حيث يقيم الرئيس المالي العقيد كويتا... كما أن باقي التنظيمات من تنظيم الدولة إلى القاعدة إلى أنصار الدين وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين .... إلخ كثير من قادتها و عناصرها من العرب والطوارق الذين هم في صراع عرقي مسلح منذ عشرات السنين بهدف الانفصال... ولديهم تشكيلات عسكرية مسلحة خاصة بهم ... واستفاد الجميع من انهيار الدولة الليبية التي تحول كثير من العناصر الأزوادية التي كانت جزءا من القوات المسلحة هناك مع عتادهم الثقيل إلى المنطقة..... حيث ما فتئ الجيش المالي في بياناته العسكرية يتحدث عن تدمير عربات مصفحة من خلال عمليات جوية للطائرات الروسية.
وفي آخر تصريح للسنغالي عليون تاين المبعوث الأممي من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والذي زار جل الأراضي المالية... قال إن أكثر من 66% من الأراضي المالية خارج إطار سيطرة الدولة المركزية...
إن ماحصل في دولة مالي والذي حولها في النهاية إلى شبه دولة فاشلة لرسالة قوية علينا أن نفهم مضمونها بشكل جيد خصوصا في ظل التشرذم السياسي الذي نعيشه
ب. إكرهات ديمقراطيتنا والتشرذم:
إن الديموقراطية التي تأسست في موريتانيا منذ دستور 1991 لم يكن هدفها التناوب على السلطة بل كان هدفها استمرار أؤلئك الذين أسسوها في إدارة البلاد.. فنتج عن ذلك زواج المصالح أو الاعتقال المتبادل بين مؤسسة الفساد ممثلة في المؤسسة التقليدية (القبيلة والمحاصصة العرقية..) والنظام السياسي الذي أعتمد على هذه المؤسسة كقاعدة انتخابية....
ولم تستطع الأنظمة المتلاحقة حتى اليوم تحرير نفسها من ذلك الأسر.... بسبب هذه الإكراهات ... وظلت تَلبيةُ مطالب هؤلاء الضيقة والشخصية هي الثمن السياسي لولائهم ... فنشأت طبقة من الموظفين السامين والمتوسطين ولاؤهم لمجموعاتهم الوظيفية على حساب الدولة وأصبح في البلد كيانات كثيرة تتغذي على حساب قوة الدولة وعدالتها وتقدمها .....
..
هذا التشكل الجديد المتوالي نتج عنه أيضا شرخ داخل المجموعة الناطقة بالعربية... فنشأ مايمكن تسميته بخطاب مظلمة الأرقاء السابقين (لحراطين)
* مشكلة لحراطين:
يحتاج موضوع لحراطين لشيء من التفصيل لأن هذه الفئة في طريقها لتشكيل عرق ثالث داخل المجتمع يزيد المصاعب في النجاح في سياسة إدارة التنوع.
كانت البدايات عندما نظم مجموعة من الطلبة من هذه الطبقة تنظيما سريا يطلق عليه (حركة الحر) في 8 مارس 1978 والذي يتضح من اسمه أن هدفه كان مساعدة الأرقاء من التحرر من أسيادهم
تحولت بعد الديموقراطية إلى عمل سياسي تضامن بداية مع القوى المعارضة ثم انخرط لاحقا في حزب سياسي صريح وهو حزب العمل من أجل التغيير (AC) الذي حظر لاحقا ... وتم استخدام الخطاب العاطفي للحشد الانتخابي لهذه الفئة مركزا على موضوع الرق ومخلفاته والتي جعلت الكثير من هذه الفئة تحت خط الفقر ... وينظر لها الأسياد السابقون بنظرة دونية.. ليزيد من الشرخ العرقي إلى شرخ طبقي يحاول البعض تحويله إلى عرقي.... وكان أصحاب هذا الخطاب حاضرين بعدد من النواب في البرلمان وعدد من العمد في بلديات الوطن.... بل إن بعض الحركات السياسية العريقة في البلد كالبعثيين والناصريين لم يتمكنوا من دخول البرلمان إلا بعد تحالفهم مع جماعة لحراطين بسبب عدم إيجاد حزب مستقل للمجموعة الأخيرة. وفي آخر انتخابات رئاسية حصل أحد زعماء هذا الخطاب على أكثر من 19% في الانتخابات الرئاسية... محتلا المرتبة الثانبية بعد مرشح النظام..
وفي مواجهة هذه الظاهرة وهذا الخطاب الجديد حاولت الأنظمة منذ بداية الديموقراطية وحتى اليوم، سحب البساط من المعارضين من هؤلاء فقامت بتعيين الكثير من هذه الفئة في وظائف سامية.... الشيء الذي عزز هذا الخطاب وضاعف من حالة الانقسام....
ووصل هذا الشد والمد إلى حالة وصف فيها بعض زعماء هذا الخطاب البلاد بالدولة العنصرية ونظام لابرتايد....
مما نتج عنه حالة من العداء داخل النخبة وعامة الشعب.... الشيء الذي جعل البعض يحاول إقصاء ذلك الخطاب من المشهد السياسي من خلال عدم تشريع حزب لأحد أهم قادته... خوفا من مضايقته في المقاعد الانتخابية... وهو لعمري لعين الخطإ لأنه دفع البعض إلى العمل خارج القانون وبالتالي خارج الضوء وما قد ينجر عن ذلك من مخاطر لا يمكن توقعها... وبالنسبة لأصحاب هذا الرأي فإنهم يفتقدون إلى الحنكة لأن إدارة حزب يطمح لرئاسة البلد تتطلب جهدا وعملا ليلا ونهارا وضخ الكثير من الوسائل الشي الذي يؤدي بالقادة والأنصار إلى الانغماس في العمل السياسي وإكراهاته التي لا تنتهي...أما العمل خارج ذلك فهو بطالة وتفرغ لردات فعل غير محسوبة ولا يمكن حتى لقادة هذا التيار التحكم فيها... و لا تكلف سوى دعاية من حين لآخر في الإعلام بشقيه الجديد والقديم...
. الصراع الطبقي
كما أن حالة التشتت والتشرذم في طبقات المجتمع خصوصا العربي منه شمل طبقات أخرى...مثل ذلك اللغط الذي حصل بسبب قضية الصلاة على المرحومة بإذن الله تعالي ديم بنت آبه التي هي من طبقة (إيكاون... الفنانين) قيل حينها بأن أحد العلماء البارزين تهرب من الحضور خوفا من الصلاة عليها... وهو ما اعتبره البعض ازدراء لتلك الطبقة
ضف إلى ذلك قضية الزين ولد القاسم والصناع التقليديين والنائب سعداني وحزبها..... وأخيرا قضية زواج فنان مع فتاة من غير طبقته وحالات الاسترقاق التي ما فتئت تسبب ضجة وتلاسن بسبب التأكيد والنفي في نفس الوقت.... في ظل الإعلام الذي يصنع الكراهية فيه كل من هب ودب ...إنها كلها عوارض للغليان داخل المجتمع بين المتشبثين بالموروث القديم والثائرين على ذلك... غذى ذلك الغليان صراع المصالح الانتخابية والنفعية التي تُجنى من مساندة النظام
إنها حرب صامتة داخل المجتمع تطفوا على السطح في كل مناسبة وأحيانا من دون مناسبة...
وقد جاء الاعتراف بهذا الغليان من أعلى سلطة في البلد في خطاب وادان المعروف حيث قال رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني بالنص """ .وإن مما يحز في نفسي كثيرا ما تعرضت له هذه الفئات في مجتمعنا تاريخيا من ظلم ونظرة سلبية مع أنها في ميزان القياس السليم ينبغي أن تكون على رأس الهرم الاجتماعي فهي في طليعة بناة الحضارة والعمران وهي عماد المدنية والابتكار والانتاج.
ولقد آن الأوان أن نطهر موروثنا الثقافي من رواسب ذلك الظلم الشنيع وأن نتخلص نهائيا من تلك الأحكام المسبقة والصور النمطية التي تناقض الحقيقة وتصادم قواعد الشرع والقانون وتضعف اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية وتعيق تطور العقليات وفق ما تقتضيه مفاهيم الدولة و القانون والمواطنة.
وإنني من هذا المنبر لأدعو كافة المواطنين إلى تجاوز رواسب هذا الظلم في موروثنا الثقافي وإلى تطهير الخطاب والمسلكيات من تلك الاحكام المسبقة والصور النمطية الزائفة. كما ادعوهم جميعاً إلى الوقوف في وجه النفس القبلي المتصاعد هذه الأيام والمنافي لمنطق الدولة الحديثة ولما يقتضيه الحرص على الوحدة الوطنية وكذلك لمصلحة الأفراد انفسهم ، فليس ثمة ما هو أقدر على حماية الفرد وصون كرامته وحقوقه من وحدة وطنية راسخة في كنف دولة قانون حديثة.
وأود بالمناسبة تشديد التأكيد على أن الدولة ستظل حامية للوحدة الوطنية والكرامة وحرية ومساواة جميع المواطنين بقوة القانون وأيا تكن التكلفة، كما أنها لن ترتب حقا أو واجبا على أي انتماء إلا الانتماء الوطني.""""" أنتهى الاستشهاد
لقد حاول بخطابه البحث عن مدخل للتخلص من المؤسسة التقليدية المحيطة به ..فقد كان يبحث عن طوق نجاة يخلص الوطن من مآلات غامضة لاحت في الأفق وأصبحت نورا على علم .... لم يفهم من هم خارج الدائرة المحيطة به... تلك المغازلة السياسية .. وبدلا من ذلك قامت الدولة العميقة المتمثلة في المؤسسة الرجعية بإفشال المشروع الطموح والتاريخي للخطاب من خلال وصفه بأنه نوع من النفاق السياسي، حيث فسروه حينها بأنه مجرد تهدئة الخواطر ليس إلا....
لتستمر كرة الفساد بالتدحرج
والصراع الأعمى على المصالح لا يعلوا في الأفق سواه... لتؤول البلاد إلى حالة من الفسيفسا من الكيانات المتصارعة داخل الحزب الحاكم وخارجه كل يبحث عن رزقه ونفوذه من خلال عنوان خاص به لا ينافسه عليه أحد . ..
واختفت المبادئ والنظريات والبرامج السياسية... وأصبح شعار الجميع.. نحن لانريد القضاء على الفساد بل نريد نصيبنا منه.
مما جعل غالبية المشاريع التنموية تفشل... بل إن المشاريع نفسها أنشئت لتكون مرتعا للنهب لأن ذلك هو مصلحة الفساد الشيء الذي جعل الدولة تراوح مكانها إن لم نقل تتقهقر في المؤشرات الدولية للتنمية فتضاعفت البطالة وأنتشر النهب وتغيرت قيم المجتمع ودمر التعليم لأنه ليس هو الذي يميز الأفراد.... وتضاعفت البطالة في الخرجين وغيرهم وهاجر الطلبة والتلاميذ مقاعد الدراسة وتدهور التعليم العمومي ... وازداد الضائعون من الشباب وانتشرت بين صفوفهم المخدرات وازدادت عمليات السطو والاعتداء بالسلاح الأبيض في المدن الكبيرة... الشيء الذي ينذر بأن ذلك بداية لتمرد جماعي قد يكون عنوانه السطو، الذي قد ينضم له الكثير من مواطني دول الجوار.... بعضهم من الهاربين من الحروب في مناطقهم،،، إضافة إلى الضائعين بسبب انتظارهم الطويل للهجرة إلى أوربا سواء أولئك القادمون الجدد أو العائدون من محاولة الهجرة المنتظرين لها. .... وفي ظل هذه الأجواء ستكون الفرصة مواتية لكل مشاريع التخريب التي تجد نفسها في ظل أجواء كهذه.. وعلى رأس ذلك التطرف وحركاته .... كما أن الغاضبين من النظام واللذين وصلت بهم الكراهية حد العداء الأعمى... قد يجدون مبتغاهم في مثل هذه الظروف.... إضافة إلى الأطماع الخارجية القديمة الجديدة والتي دخل فيها الصراع الدولي خصوصا بعد اكتشاف الغاز والصراع الدولي الكبير على مصادر الطاقة والأسواق
ولكن ماهي السبل والخطط والإجراءات التي يمكن اتخاذها لمواجهة سيناريو من هذا القبيل؟؟؟؟
وما هي الإجراءات التي يمكن اتباعها على المدى القريب والمتوسط والبعيد للحيلولة دون الوصول إلى حافة الهاوية؟؟؟.
وما هي عناصر القوة والضعف التي يمتلكها كل طرف؟؟؟
وما المصالح الأمنية والاستراتيجية المتبادلة مع الأطراف الدولية التي قد يكون لها تأثير كبير في مواجهة مثل هذا الخطر ؟؟؟؟؟
وماهي السبل الحاسمة لجعل الجيش وقوى الأمن في مستوى تحدي من هذا الطراز؟؟؟؟؟
يتواصل
مما جعل غالبية المشاريع التنموية تفشل... بل إن المشاريع نفسها أنشئت لتكون مرتعا للنهب لأن ذلك هو مصلحة الفساد الشيء الذي جعل الدولة تراوح مكانها إن لم نقل تتقهقر في المؤشرات الدولية للتنمية فتضاعفت البطالة وأنتشر النهب وتغيرت قيم المجتمع ودمر التعليم لأنه ليس هو الذي يميز الأفراد.... وتضاعفت البطالة في الخرجين وغيرهم وهاجر الطلبة والتلاميذ مقاعد الدراسة وتدهور التعليم العمومي ... وازداد الضائعون من الشباب وانتشرت بين صفوفهم المخدرات وازدادت عمليات السطو والاعتداء بالسلاح الأبيض في المدن الكبيرة... الشيء الذي ينذر بأن ذلك بداية لتمرد جماعي قد يكون عنوانه السطو، الذي قد ينضم له الكثير من مواطني دول الجوار.... بعضهم من الهاربين من الحروب في مناطقهم،،، إضافة إلى الضائعين بسبب انتظارهم الطويل للهجرة إلى أوربا سواء أولئك القادمون الجدد أو العائدون من محاولة الهجرة المنتظرين لها. .... وفي ظل هذه الأجواء ستكون الفرصة مواتية لكل مشاريع التخريب التي تجد نفسها في ظل أجواء كهذه.. وعلى رأس ذلك التطرف وحركاته .... كما أن الغاضبين من النظام واللذين وصلت بهم الكراهية حد العداء الأعمى... قد يجدون مبتغاهم في مثل هذه الظروف.... إضافة إلى الأطماع الخارجية القديمة الجديدة والتي دخل فيها الصراع الدولي خصوصا بعد اكتشاف الغاز والصراع الدولي الكبير على مصادر الطاقة والأسواق
ولكن ماهي السبل والخطط والإجراءات التي يمكن اتخاذها لمواجهة سيناريو من هذا القبيل؟؟؟؟
وما هي الإجراءات التي يمكن اتباعها على المدى القريب والمتوسط والبعيد للحيلولة دون الوصول إلى حافة الهاوية؟؟؟.
وما هي عناصر القوة والضعف التي يمتلكها كل طرف؟؟؟
وما المصالح الأمنية والاستراتيجية المتبادلة مع الأطراف الدولية التي قد يكون لها تأثير كبير في مواجهة مثل هذا الخطر ؟؟؟؟؟
وماهي السبل الحاسمة لجعل الجيش وقوى الأمن في مستوى تحدي من هذا الطراز؟؟؟؟؟
يتواصل
ضابط الاستخبارات السابق في الجيش الموريتانبي أحمد ولد أمبارك