في أعناقِ أجيالٍ مِن الموريتانيين ديونٌ لسيارة "لاندروفير"، وشخصياً لي معها علاقةٌ من نوع خاص جداً، إذ تذكّرني رؤيتُها بالوالد رحمات الله تعالى عليه، حيث يقال إنه أول شخص في موريتانيا يمتلك "الطراز الثالث" (سري تروا) من لاندروفير (الصورة)، وكان ذلك في عام 1972 أو 1973. وقد اشتراها من أحد كبار التجار في حينه، هو الداه ولد أحمد بوسات الذي طلبها مِن شركة "لوكم" في نواكشوط، لكنها تأخرت في الاستجابة لطلبه، فسافر إلى السنغال حيث اشتراها من شركةٍ لاستيراد وبيع السيارات في داكار، مملوكة للبنانيين أو فرنسيين. وبينما كان عائداً بسيارته التقاه الوالدُ في مدينة روصو السنغالية فاشترى منه السيارة وأدخلها عبر الحدود فوراً على متن العبارة النهرية، لينهي إجراءات تسجيلها وتأمينها وترقيمها خلال ذلك اليوم واليوم الذي يليه.. ثم توجّه إلينا مباشرةً في البادية، وكان مخيمنا قد أنهى لتوه رحلات الخريف وركن إلى غابة كثيفة الأشجار كثيرة الحشائش لقضاء فصل الشتاء في حضنها الدافئ. وبعد صلاة العشاء وانتهاء "التحلاب" في ليلة شتوية باردة وصل الوالدُ وسائقُه السنغالي. وبسبب الأشجار والحشائش لم تستطع السيارةُ الوصول إلى خيمتنا إلا بصعوبة. وفي الصباح طلبتُ منه، رحمه الله تعالى، أن يمنحني صغيرَها القادم إذا أنجبته، فقال لي مداعباً: إذا كان مولودها أنثى فهي لك، أما إن كان ذكَراً فهو لأخيك الشيخ. وقد تصورتُ السيارةَ مثل البقر والغنم وقستُها عليهم، إذ غالباً ما يقوم الآباء في البادية بتمليك أطفالهم أحدَ المواليد الجدد مِن البقر والغنم، أما السيارات فكنا نعتبرها كائنات حية تأكل وتشرب وتتنفس وتتكاثر، رغم أن أخوالي الثلاثة رحمهم الله امتلكوا سيارات "جيب" و"لاندروفير" (سري ديه) قبل ذلك بحوالي ثلاثة أعوام، وأعتقد أن الرحيل إلى منازلنا الشتوية في تلك الأيام كان بواسطة سيارة أحدهم وليس على ظهور الجمال والحمير كما جرت العادة قبل ذلك. رحم الله الجميع وبوأهم الفردوس الأعلى من الجنة.