
أجمع محللون سياسيون ومراقبون في قطاع غزة على نجاح "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، في إيصال رسائلها إلى الأطراف الإقليمية والدولية، وإلى المجتمع الإسرائيلي، من خلال عملية تسليم رفات الأسرى الإسرائيليين التي جرت اليوم الخميس.
مراسم التسليم ورسائلها
أقيمت مراسم التسليم في مقبرة الشهداء ببلدة "بني سهيلا" شرق محافظة خانيونس، حيث دخلت خمس سيارات تابعة لمنظمة الصليب الأحمر الدولي إلى منصة شيدتها "كتائب القسام" خصيصًا لهذا الحدث. وقد غُلِّفت المنصة باللون الأسود، في إشارة رمزية إلى الموت.
وكما جرت العادة في عمليات التسليم السابقة، جلس ممثل المقاومة إلى جانب ممثل الصليب الأحمر لتوقيع وثيقة التسليم، حيث أُرفقت مع كل جثة شهادة وفاة، تتضمن صورة القتيل وتاريخ وفاته، مع عبارة "قُتل على يد جيش الاحتلال".
وُضِعت الجثامين الأربعة في توابيت سوداء على منصة رفعت عليها صورة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بملامح "مصاص دماء"، مع عبارة "المجرم بنيامين نتنياهو وجيشه قتلوا هؤلاء الأسرى بصواريخهم النازية". وبعد التوقيع على إجراءات التسليم، حمل مقاتلو "كتائب القسام" التوابيت، التي كُسيت بقماش أبيض، قبل وضعها في سيارات الصليب الأحمر.
تحذير الاحتلال من سوء التقدير
يرى المختص في شؤون الدعاية والإعلام، شرحبيل الغريّب، أن "حماس" سعت من خلال هذه المراسم إلى إيصال عدة رسائل حاسمة. حماس أرادت التأكيد على أن هؤلاء الأسرى كان من الممكن أن يعودوا أحياء، لكن تعنت حكومة نتنياهو وإهمالها لملف الصفقة أدى إلى هذه النتيجة".
وأضاف: "كما أن حماس بعثت برسالة شديدة اللهجة إلى الاحتلال، مفادها أن المماطلة في تنفيذ صفقة التبادل ستُكلِّف إسرائيل ثمنًا باهظًا، وأن إعادة الأسرى أحياء أو أموات لا يتم إلا عبر التزام إسرائيل بالاتفاقات المبرمة".
وأشار الغريّب إلى أن "تصريحات قيادات حماس الأخيرة، إلى جانب مشاهد التسليم اليوم، تعكس ندية غير مسبوقة، وتؤكد أن على إسرائيل أن تحسن تقدير الموقف، خاصة فيما يتعلق بالبروتوكولات الإنسانية المرتبطة بإغاثة قطاع غزة".
غضب إسرائيلي وردود فعل متباينة
في المقابل، أثارت عملية تسليم الرفات ردود فعل غاضبة داخل إسرائيل. فقد عبّر رئيس دولة الاحتلال، إسحاق هرتسوغ، عن أسفه لفشل الحكومة في إعادة المحتجزين أحياء، قائلًا: "بالنيابة عن دولة إسرائيل، أنحني وأطلب المغفرة. المغفرة لعدم حمايتكم في ذلك اليوم الرهيب (7 /أكتوبر 2023)، والمغفرة لعدم إعادتكم إلى الوطن سالمين".
أما وزير المالية ورئيس حزب "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، فقد قال: "نستيقظ على صباح صعب، حيث يحتضن شعب إسرائيل عائلات ومجتمع (مستوطنة) نير عوز البطل، ونشاركهم حزنهم العميق".
أبعاد العملية ورسائلها الاستراتيجية
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي ياسر أبو هين أن "حماس" نجحت اليوم في إبراز انضباطها والتزامها بمراحل تنفيذ صفقة التبادل. فإقدام حماس على تقديم موعد تسليم جثامين الرهائن الأربعة يعكس جدّيتها في إنجاز الصفقة، ويضع الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي".
وأضاف: "من خلال هذه العملية، سعت حماس إلى زيادة الضغط على حكومة الاحتلال، والتأكيد على أن القوة العسكرية وحدها لن تحقق تحرير الأسرى، وأن السبيل الوحيد لذلك هو صفقة تبادل وفق شروط المقاومة".
وتابع: "على الرغم من الطابع الصارم لمراسم التسليم، إلا أن حماس أرادت أيضًا تسليط الضوء على الجانب الإنساني في تعاملها مع الجثث، وهو ما يمثل تحولًا مقارنة بالنهج السابق الذي تميز بمواقف أكثر تحديًا عند تسليم الأسرى الأحياء".
دلالات رمزية في موقع التسليم
ورصدت وسائلاعلام في غزة لافتة بارزة كُتب عليها: "كمين الفراحين ليس نزهة.. بل محرقة"، في إشارة إلى عمليتين نوعيتين نفذتهما "كتائب القسام" ضد قوات الاحتلال في منطقة "الفراحين" شرق خان يونس.
ووقع الكمين الأول في 12/فبراير 2024، وأسفر عن مقتل قائد الكتيبة 630 احتياط، ونائب قائد سرية، وجندي آخر، بالإضافة إلى إصابة آخرين. أما الكمين الثاني، الذي نُفذ في 5 /أغسطس 2024، فقد أدى إلى مقتل وإصابة جميع أفراد القوة الإسرائيلية المتوغلة، وفق بيان "كتائب القسام" آنذاك.
يُذكر أن بلدة "بني سهيلا"، التي جرت فيها عملية التسليم، تحمل رمزية خاصة، إذ كانت مسرحًا لاجتياح إسرائيلي استمر أربعة أشهر، وشهد نبش القبور وعمليات قتل للمدنيين الفلسطينيين، في محاولة فاشلة للعثور على جثامين الأسرى الإسرائيليين.
وتأتي عملية تسليم الرفات في إطار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 /يناير 2025، منهياً 471 يومًا من الحرب الإسرائيلية على غزة، التي أسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 158 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، وسط دمار واسع ومجاعة قاتلة.
ويتألف الاتفاق من ثلاث مراحل، تمتد كل منها على مدار 42 يومًا، ويتضمن وقف العمليات العسكرية، وانسحاب جيش الاحتلال من المناطق المأهولة في غزة، وفتح معبر رفح، وتعزيز تدفق المساعدات الإنسانية، إضافة إلى تنفيذ عمليات تبادل الأسرى بين الطرفين.