أنقلاب 27 مايو 1979م حتى لا ننسى..!! (نماذج من جيل التأسيس)

أربعاء, 05/27/2020 - 07:42

الرئيس العقيد أحمد ولد بوسيف.. حفيد الأمراء(دولة المرابطين، إمارة الأنباط، إمارة إدوعيش).. أُولَى الكيانات السياسية بأرض البيظان.
من معشر سنت لهم آباؤهم@
ولكل قوم  سُنَّة  وإمامها  @
ولد سنة 1934 في الحيز الجغرافي لإمارة إدوعيش الجنوبية (اركَبيه وآفطوط).
نشأ وترعرع في بيئة عز ومجد، طبعت في وجدانه الاعتزاز المشروع بالتاريخ، وزرعت في نفسه الطموح المعزز بالذكاء والنبوغ.
التحق بالجيش في ريعان الشباب ليحجز لنفسه مركز الصدارة على سُلَّم التفوق في المدرسة العسكرية (سومير  الفرنسية)، تخرج ضابطا برتبة ملازم، ثم تتالت الترقيات فكانت الأول-دائما- على جدول التقدمات خلال تدرُّجه المهني ضمن سلك الضباط الأعوان(ملازم، ملازم اول، نقيب) ما مكّنه من الولوج اللافت لسلك الضباط السامين(رتبة رائد فأعلى...).
تحتفظ له ذاكرة الجيش والوطن بخصال حميدة وصفات قيادية خلقلت انطباعا مُفعما بالاعجاب لدى جيل التأسيس، وتركت أثرا بارزا في نفوس أبناء المؤسسة العسكرية الذين تعلموا منه كيف يكونون وكيف يخدمون وكيف يُضَحُّون.. 
كان من أوائل الذين نالوا شرف الترقية الاستثنائية خلال حرب الصحراء، إلى جانب زميله العقيد الطيار محمد ولد ابه ولد عبد القادر(كادير)،  لدورهما المتميز في التصدي لهجوم البوليساريو الأول على انواكشوط يوم 9 يونيو 1976.
وعلى مدى حقبة الحرب ظل اسم العقيد بوسيف من بين العناوين البارزة التي ضج بها أثير الإعلام الحربي،  منذ أن تم تعيينه قائدا للتجمع رقم (2) في 20 يناير 1976 خلفا للمقدم محمد محمود ولد أحمد لولي الذي أصيب برصاصة من كمين يوم 15 يناير 76 قرب بير أم اكَرين، عندما كان رفقة سائقه يبحث عن جندي مفقود إثر معركة جرت يوم 14يناير مات فيها خمسة موريتانيين من بينهم قائد المفرزة الملازم انيانكَ جبريل، من جهة أخرى ياتي تعيين بوسيف دعما للمعنويات في اليوم الموالي لمقتل النقيب اسويدات في هجوم في ال 19  يناير على حامية عين بنتيلي الواقعة ضمن قطاع عمليات التجمع رقم 2. 
شارك العقيد بوسيف في عديد المعارك وأبلى فيها بلاء حسنا، إلا أن ثمة ضرورات اقتضت نقله من ميادين المواجهة إلى انواكشوط رئيسا للأركان، فكان أهلا لها كفاءة وأمانة.. يُروي أن أحد أصدقائه عرض عليه فكرة انقلاب على المرحوم المختار فرد قائلا "لا يسعني جزاء الثقة بالغدر".
غاب عن انقلاب 1978 على الحكم المدني، كما هو شأن الضباط الذين اكتووا بنار الحرب مثل فياه المعيوف، الطيار كادير، الطيار انجاي جكَ،  إبراهيم اعل انجاي، سيديا ولد يهْيَ، الطيار توماني سيد بي، محمد ولد لكحل، ابريكه ولد امبارك، أفال مخفوظ.. إذ بينما كان هؤلاء في خنادقهم على خطوط التماس مع (النفير) اختار آخرون لأنفسهم "مغانم" العِير، ممن يوَدون أن (غير ذات الشوكة) تكون لهم..!
قاد العقيد بوسيف في 6 ابريل 1979 عملية تصحيحية سماها العقيد كادير في مذكراته (الانقلاب الدستوري) فأصبح رئيسا للحكومة والمسؤول الأول في الدولة بحكم التنظيم الدستوري، مع الإبقاء لولد السالك على مجرد رئاسة شرقية بلا صلاحيات مع عضوية رمزية في اللجنة العسكرية التي استُبدل اسمها من "الإنقاذ" إلى "الخلاص".
خلال حكم الرئيس بوسيف (51 يوما) كاد كل شيئ أن يتغير، لذا واجه اتهامات من زملائه في اللجنة الذين أضحوا على قناعة بأن الرجل لا يرغب في الاستئثار لنفسه بالسلطة، وإنما يسعى إلى (إعادة الشرعية) والاحتفاظ بالولاية ال13 (تيرس الغربية) التي كان زملاؤه قد وضعوها في مسطرة المزاد العلني..!
وقد كان جليا أن ل"الانقلاب الدستوري" دلالات سياسية منها: - انتزاع السلطة من قبضة العسكر.
- القطيعة مع خط الجزائر، البوليساريو، ليبيا.
وتلك الحال، فقد أبرزت التطورات بعض ملامح الخط الجديد حين أعلن الرئيس بوسيف في ال 24 مايو إلغاء زيارة طرابلس لحضور القمة المزمع انعقادها في  26 مايو والتي كان مقررا فيها توقيع موريتانيا على اتفاقية ترعاها الجزائر وليبيا تقضي بالتنازل عن وادي الذهب (تيرس الغربية)، الأمر الذي -ربما- اعتبره مساسا بالحوزة الترابية مدبرا بالتمالؤ بين الدولتين والجناح الحليف لهما والمناوئ له داخل اللجنة العسكرية.
قرار الرئيس (التغيب عن قمة طرابلس، ورفض اتفاقية التنازل) قوبل بردود أفعال من الجهات ذات الصلة، فأنذرت موريتانيا بالنتائج الكارثية لموقف رئيسها الجديد.. كان ذلك التهديد قبل يومين فقط من سقوط الطائرة به.
ولا شك أن متغيرات الوضع الدبلوماسي انعكست داخل اللجنة العسكرية المنقسمة وقتها إلى جناحين مؤيد لولد بوسيف ومناوئ له تحت تأثير العلاقات المشبوهة بالمحيط الإقليمي.
بعد العدول عن زيارة طرابلس ولّى وجهه شطر القمة الاقتصادية الإفريقية بدكار المنعقدة يوم 27 مايو، وفي رحلته إلى هناك سقطت به الطائرة، مما أدى إلى وفاته ومرافقيه رحمهم الله, وبذلك اكتملت فصول انقلاب 27 مايو 1979.. ولكن كيف ؟
ما الدور الذي تمثله المحطة التي اكتشفتها الاستخبارات في (كبانو) مخيم شاطئي بنواكشوط مجهزة بمعدات متطورة للتشويش والتنصت على الطائرات يديرها فنيون من دول شقيقة ؟؟
ماذا وراء الهاجس الأمني الذي حدا بوزير الداخلية الرائد تام الحاج أن يتصل -قبيل ساعات قليلة من المغادرة- بالعقيد كادير من أجل أن يطلب هذا الاخير من ولد بوسيف إلغاء الرحلة ؟؟
أسئلة لها مثيلات عالقة حول تسع وفيات لضباط كبار ماتوا في ظروف غامضة، ليس هذا مجال بحثها.
ومهما يكن فإن حادث تحطم الطائرة لا يعود الى سوء الاحوال الجوية، مع استبعاد فرضية اختلال في الحالة الفنية للطائرة التي هي من طراز جيد(بيفالو) حديثة الصنع خرجت من المصنع قبل سنة فقط وبالكاد قطعت 500 ساعة طيران، ويقودها طيار ممتاز الرائد انجاي جكَ قائد سلاح الطيران.
وعلى خلفية الحادث تم تشكيل فريق تحقيق برئاسة العقيد كادير وبعضوية خبراء فرنسيين، وبعد التحريات أعد كادير تقريره (تحت الصدمة) وأحاله إلى اللجنة العسكرية (!!).. وبدأ - في صمت- يتهيأ للانسحاب من المشهد حتى لا يؤكل كما أُكِلَ الثور الأبيض..!
لا حرصا منه على حياته وإنما لتخليص موريتانيا التي ثكلت ابنها البار وقائدها العزيز.

رحم الله الرئيس احمد ولد بوسيف ورفاقه ضحايا انقلاب 27 مايو 1979.
حفظ الله موريتانيا.

  أحمد حيدات